يدرك الجميع الآن أننا أمام لحظة مختلفة صعبة مربكة تستعصى على الإدراك الكامل والتقدير الصائب مائة بالمائة، ولكن الثابت الآن أن احتمالية التعايش ولو على مضض وبعد حساب قد انتهت لسنوات قادمة.
نفض الشعب المصرى عن نفسه دولة مبارك بعد أن تجبرت ومدت أيديها فى جيوب المصريين وأكلتهم لحما وتركتهم عظما يتصارعون على لقمة تسد الجوع لصلب الطول والتمكن من مراعاة أنفسهم وذويهم، ونفض المصريون عن أنفسهم دولة الإخوان وحلم أن تصبح دولتهم مركزا للخلافة ومنبرا لتصدير الجهل والتطرف واستغلال الدين بعد أن كانت تصدره نقيا طاهرا من منارة الأزهر، رفضوا أن يستباحوا مرة أخرى على أيدى الإخوان، رفضوا أن تمص دماؤهم مرة أخرى لحساب رجال أعمال الإخوان، رفضوا أن يقطعوا كفريسة بين أنياب أمراء الإخوان.
منذ 30 يونيو انتهت أسطورة الإخوان وانتهت دولتهم تماما وإلى غير رجعة ومنذ 30 يونيو أيضا كان يجب علينا فقط العمل والتدقيق فى بناء دولتنا الجديدة بعقلية مختلفة وبسياسة تدفع هذا الوطن للأمام ولا تسمح لا للإخوان ولا لغيرهم بجره للخلف أو عرقلة مسيرته أو الاعتراض عليها حتى، كان يجب البدء فورا فى إجراءات للعدالة الانتقالية مستفيدين من نتائج تطبيقها فى دول بجوارنا وتلافى ما وقعوا فيه من أخطاء، ولا أظن الآن أن هذا المشروع سيرى النور لا الآن ولا بعد ذلك، ولو حدث وبدأت الدولة فى تطبيقه فسيكون مشوها يحتاج إلى تلصيم كثير لا يؤتى أكله، لأنه ببساطة قد تم تجاوزه بعد الأحداث الأخيرة، ولأن البيئة غير مهيأة لاستقباله أو تنفيذه، فلا يكن صدر أى مصرى الآن إلا برغبة واحدة وهى إبعاد الإخوان المسلمين وحلفائهم تماما ونهائيا عن أى تواجد بأى شكل فى الحياة السياسية وعن أى نشاط آخر فى مصر بكل وسيلة وبأى ثمن.
أصر الإخوان المسلمون على مواجهة الجميع دولة وشعبا وأعدوا خطة الرد على الفض المحتمل للاعتصام بما يثبت عند المصريين قناعتهم بأنه لا مكان لهم بينهم بعد الآن، فلا يمكن تحمل من يرفع السلاح فى وجه الشعب ولا من يحرق دور عبادته أو يتعدى على ممتلكاته أو يروع أمنه ويهدد حياته، قبل ذلك فضت الدولة اعتصامات وتجمعات بميدان التحرير، وفى أماكن أخرى بوحشية وبإجرام، اقتحمت الميدان وقبضت على الشباب وقتلت وأصابت منهم ولم يرفع أحد من الثوار يوما سلاحا فى وجه مواطن ولم يروع ثائرا يوما أخاه اختلف معه أو اتفق وصمدوا على مبادئهم وحفظوا أهداف ثورتهم فى قلوبهم واحتضنوها بكل جوارحهم حتى فى أشد الأوقات قسوة وفى أضعف لحظاتهم، وانصرف الناس عنهم فانتصروا فى معاركهم كلها واقترب منهم من الناس من كان بعيدا.
اليوم مصر فى طريق مختلف يجب على الجميع إدراكه ودراسة تجارب الدول الأخرى التى مرت بمراحل شبيهة حتى لا نقع فريسة لعنف طويل الأمد ولصراع لا ينتهى، فالدولة يجب أن تستخدم كل ما يمكن لتقليل ومنع الإرهاب الذى ستمارسه الجماعة وحلفاؤها ضد المواطنين قدر الإمكان والذى فى الأغلب الأعم سيكون شبيها بما كان فى التسعينيات، لأنه إضافة لمن لديهم القدرة على فعل ذلك الآن منهم، فهناك بالقطع من سيدخل جديدا دائرة تشكيل الخلايا وتنفيذ العمليات، ولكن أيضا يجب أن يكون استخدام الإجراءات الاستثنائية محدودا بسقف وبوقت، وعلى القوى المدنية الآن أن تتماسك بأكبر ما تستطيع من قوة حتى نتجاوز ما يحدث وسيحدث الفترة القادمة حتى تكون حاضرة ومتابعة ومعينة الآن وفاعلة فى المستقبل لئلا نجد أنفسنا قبل 25 يناير.