ما حدث أمس من غباء وعنف مفرط سواء من قِبل الداخلية أو الإسلاميين، هو متوقع وغير جديد على الطرفين.
فالطرفان خاضوا نفس المعركة من قبل، فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، والسيناريو ليس ببعيد عن السيناريو الحالى.
بدأت مرحلة الإرهاب الإسلامى والشرطى فى مصر من قبل مقتل السادات بقليل، حينما قرر السادات أن يعيد الإسلاميين للعمل العام، وذلك عن طريق دعمهم فى الجامعات بواسطة مستشارين له مثل إسماعيل عثمان، أو عثمان أحمد عثمان، وذلك بتوفير المعسكرات، التى فُرخت فيها كل الأفكار المتطرفة، وانتشرت وسط الطلاب أو عن طريق الدعم المباشر المتمثل فى تمويلهم فى الجامعات وخارجها، وكل ذلك لضرب الحركة الطلابية الناصرية واليسارية الغاضبة على السادات بسبب الانفتاح وكامب ديفيد، وبعد ذلك فتح الطريق أمام السلفية الوهابية بالانتشار فى مصر عن طريق مشايخ النفط العائدين من الخليج.
كان أفراد الجماعة الإسلامية «التى انشق عنها مجموعة من مؤسسيها أبو الفتوح، العريان، أبو العلا ماضى وانضموا للإخوان» يقومون بعمل مظاهرات فى الجامعة وخارجها لإرهاب المخالفين لهم، مستخدمين فى ذلك السلاح الأبيض والجنازير، وسط غض للطرف كامل من قبل الشرطة، بل ومحاباتهم فى ذلك الوقت «نفس السيناريو الذى حدث من بعد 11فبراير 2011».
استمر كل ذلك إلى أن بدأت المعركة فى الثمانينيات فى اليوم التالى لاغتيال السادات، عن طريق عاصم عبد الماجد والجماعة الإسلامية فى أسيوط، بحصار مديرية أمن أسيوط، وقتل عدد من مجندى وضباط الشرطة، ونشر الإرهاب فى عدد من مدن الصعيد «المنيا، بنى سويف».
ومن ثَم بدأت موجة الإرهاب التى لم تنته على يد الإسلاميين وقادتهم الذين لم تتغير كثيرا وجوهم حتى الآن، من عاصم عبد الماجد، مرورا بعبد المنعم أبو الفتوح، وصولا لمحمد حسان والبلتاجى وغيرهم.
المتذكر لذلك الوقت، يجد أن نفس الأسلوب هو المتبع الآن، من حرق كنائس، والاعتداءات على محلات لأقباط فى الصعيد، وتهجير أسر بأكملها، فى الكشح والمنيا وغيرها من مدن وقرى صعيد مصر، وسط غياب أمنى كامل.
لكن إن كان ذلك السيناريو معروفا، وتمت معايشته من قبل، فلم تكرر بالأمس؟
فعدد الكنائس التى حرقت تعدت الأربعين كنيسة.
عدد الشهداء والقتلى فى المحافظات خارج القاهرة تعدى العدد فى القاهرة، وحتى الآن لا يوجد حصر دقيق لعدد القتلى والمصابين فى المحافظات.
تم حرق ونهب وتدمير أديرة أثرية، ترجع لمئات السنين، أحدهم بنى على طريق الرحلة المقدسة لسيدتنا مريم والمسيح فى أثناء زيارتهم لمصر.
ألم يكن يعرف السادة فى وزارة الداخلية، أن ذلك سيكون رد فعل الإسلاميين؟
بعد أكثر من 32 عاما من المواجهات معهم، ألم يحسبوا حساب ذلك التهديد؟
هل شكل لهم حرق الكنائس والأديرة والاعتداءات على الأقباط فى كل مكان ثمنا مقبولا؟
هل اعتقدوا أنهم بتلك الطريقة الفاشلة- الدموية من الفض للاعتصام سيكونون قد انتهوا من الإخوان؟ ألم يستمعوا لكل تلك الأصوات التى خرجت تخبرهم بأن الإسلاميين مبلغ آمالهم أن يتم الفض بالعنف لكى تكون لهم كربلاء جديدة، يتغنون بها كما تغنوا بكربلاء الخمسينيات والستينيات؟
والسؤال الأهم لدى، كيف لم تشدد وزارة الداخلية إجراءاتها الأمنية على أقسام الشرطة فى المناطق المشتعلة، والمتوقع فيها أحداث عنف ستطال أقسام الشرطة؟
ألم يكونوا يعلمون أن منطقة ككرداسة هى أحد معاقل السلفيين فى مصر؟ والتى شهد المركز المجاور لها «أبو النمرس» سحلا وقتلا لعدد من الشيعة، على رأسهم حسن شحاتة فى يونيو الماضى؟
أم أن التضحية برجالهم بجانب الأقباط أيضا ثمن مقبول؟
لكن لم الالتفات إلى كل تلك الأخطاء التى تصل إلى حد الجرائم؟ لم محاسبة الداخلية أو صاحب قرار الفض الخاطئ تماما فى توقيته وإجراءاته، والتى نتج عنها مقتل أكثر من ألف شخص، أغلبهم ممن لم يشاركوا فى أى أحداث عنف، بل جزء منهم لم يكونوا إسلاميين أو إخوانا؟
لِم يلتفت أحد لذلك ما دمنا سندور فى نفس الدوائر من اتهامات ضد البرادعى أو المنظمات الحقوقية أو غيرهم؟
لِمَ نحافظ على أرواح مواطنين خارج اللعبة، وكل ما يتمنونه هو أن يعودوا إلى بيوتهم فى قراهم ومدنهم سالمين؟
لِمَ نراعى أى شىء ما دام هناك ذلك العدو الخارجى المختبئ تحت أسِرَّتنا، الذى يلوحون بورقته فى كل وقت، وينبرى الجميع فى الصراخ عن أننا فى قلب مؤامرة، والعدو على الأبواب وكل ذلك الكلام الفارغ الذى لم يملوا من تكراره، من تحكم الإخوان بوسائل الإعلام الدولية، واللوبى الإخوانى إلخ.
لكن ماذا قدمتم أنتم حتى الآن لكى تغيروا تلك الصورة؟
غير كلام إنشائى وتخبط سياسى، وتعلية دائمة لنبرة الاضطهاد وتخبط ذات اليمين واليسار وزيادة جرعات العنف والدماء اليومية؟
أنتم يا سادة لا تصلحون لإدارة أمن مزرعة مواشى، لا أمن وطن بتعقيد وحجم وطننا.
لكن كل ما حدث ويحدث، هو متوقع بعد غياب العقل المدبر الجديد الذى ظهر فى الأيام الأولى التالية لثلاثين يونيو، واختفى من بعدها.
نحن بدأنا الآن مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من جديد، الفرق الوحيد، يكمن فى أن التعتيم المعلوماتى والإعلامى قد انتهى، وأن الجرائم التى سترتكب من الطرفين سواء داخلية أو إخوان، ستظهر إلى العلن سريعا، ولن يستطيع أحد كتم حقيقة الحدث كما حدث من قبل.
نحن الآن فى المرحلة الكاشفة.. فادعوا أن نمر منها بسلام، وإلا سنغرق فى موجات إرهابية لن يسلم منها أحد.
يمكنك قراءة مقالى السابقين عن الحرب الأهلية والإرهاب على الروابط التالية..
وهم الحرب الأهلية ج1
http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=19072013&id=2a41baa1-4eee-41dd-afa9-ad606843f5ed
وهم الحرب الأهلية ج2
http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=26072013&id=339f22d2-5545-4242-a4f3-4fe33a761f4f