من أربعة قرون كانت بداية خط انحراف الأمة؛ فهى بدأت تلف وتدور حول نفسها مع أن الهدف واضح، ولكن نحن لا نريد أن نخطو إلى الأمام، ولا نستطيع أن نخطو إلى الأمام إلا إذا صنعنا أمرين، الأمر الأول: الاستفادة من عيوب الماضى، والقضية هنا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة وعلى مستوى الدولة وعلى مستوى العالم الإسلامى كله والاعتراف بأخطاء الماضى والاستفادة منها، وهذا نصف العلاج، والنصف الآخر للعلاج هو التخطيط لما هو آت والانطلاق للأمام، وأصحاب الهمة العالية لا يرحلون من كون إلى كون؛ لأنهم أرقى من هذا، وإنما يرحلون من الكون إلى المكوّن، فعندما نتأمل قول رسولنا الكريم حين قال لصاحبه «لا تحزن إن الله معنا» نجد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ينظر من آفاق عالم الغيب؛ وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمن الحق؛ فلا ينظر من منظور العالم الدنيوى الضيق؛ فالقضية أننا يجب فى الأحداث أن ننظر إلى عالم الغيب؛ لأنه لا يجب معالجة الدنيا بالدنيا، فمن أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل همّ مخرجاً ومن كل ضيقاً فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب...
وهناك أناس كثيرون يفقدون الأمل من كثرة ارتكابهم الذنوب والمعاصى فى رحمة الله ويستمرون فى معصية الخالق، وإذا نظر هؤلاء إلى أنفسهم وتساءلوا: هل معصيتى أكبر أم عفو الله سيكتشفون أن ذنوبهم لا تمثل شيئا أمام عفو ورحمة الخالق؛ فمازال هناك أمل أمامنا للرجوع؛ فالذى يفقد الأمل إما فاجر أو فاسد أو كافر، ولكن المؤمن الحق دائماً يطرق على باب الله، ونجده إذا بعد عن الطريق يرجع مرة أخرى ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تبارك وتعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى، يا ابن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة». وهذا كرم الكريم؛ فالله تعالى يفتح أمام عباده أبواب الرحمة؛ فسبحان الله العلى العظيم؛ فلنفتح لأنفسنا الأبواب ولنرتحل من الأكوان إلى المكون لأن إلى ربك المنتهى.