هذا البريد وصلنى قبل فض الاعتصام بيوم واحد، وبدا لى مناسبًا للنشر اليوم، لأننا شعب عطوف ننسى بسرعة، ولهذا وجب التذكير.
■ ■ ■
تمثال نهضة مصر يقف شامخًا حائرًا صابرًا أمام صور مختلفة للرئيس السابق وشعارات رنانة عند بوابات دخول وخروج وتفتيش للسيارات والركاب واطلاع على رخص القيادة وبطاقات الرقم القومى وأسئلة عن العمل من رجال اللجان الشعبية تقابلك عند دخولك لميدان النهضة.
الحياة هنا لها طابع آخر عن اعتصام رابعة فهنا الأكثرية للشباب وأشجار حدائق الأورمان على اليمين تقابلها أشجار حديقة الحيوان تضفى جوًا على المكان خاصة فى الليل والطريق من الاتجاهين إلى مدخل جامعة القاهرة حيث المنصة قبل بوابتها مباشرة طريق كنت تسير فيه وأنت طالب سعيدا بمشهده الحضارى والتاريخى الرائع واليوم تراه شكلًا آخر.
الآن تجد أكياس الرمل ترحب بك عند المدخل وبعدها مباشرة كميات كبيرة من الرمل والزلط على الجانبين استعدادًا لاستخدامها ثم الخيام يمينًا ويسارًا وفى منتصف الطريق، وفى البداية على اليسار خيمة أطفال ضد الانقلاب وقبل المنصة بقليل كانت خيمة زايد، حيث طاولات لعب كرة المضرب والشباب يتبادلون الأدوار بينهم، ولا يخلو الطريق من البائعين المتجولين بالبطاطا والتين الشوكى والأسعار كالخارج تماما لا توجد أى زيادة وبعض الأكشاك الموجودة أيضا لخدمة السكان.
ولا يخلو الأمر من الاستعداد لإقامة طويلة الأمد فكان إقامة الحمامات الخاصة عند مدخل حديقة الأورمان لقضاء الحاجة، ثم المنصة وعليها خطيب يتجمع حوله بعض المئات يرددون حوله فى حماس والوجوه أمامك لا يبدو عليها نهائيا إنها مستعدة لمغادرة المكان حتى لو عاشوا قرنا فهم فى قلب مصر وأمام واحدة من أعرق جامعات العالم ووسط كم هائل من صور الرئيس السابق الذى يحكم الاعتصام ويأتمرون بأمره وما لديهم من تعليمات أنه طلب منهم الثبات فى المكان وعدم مغادرته نهائيا وضرورة استمرار تشديد الضغط أملًا فى الحصول على أفضل الصفقات.
التدقيق عند الدخول مفهوم لكن عند الخروج أيضا كان لسبب آخر أن إحدى السيارات قد تم سرقتها لذلك بات التفتيش أمرًا حتميا.
سكان اعتصام النهضة سعداء جدا فى موقعهم الاستراتيجى فلا دراسة جامعية قادمة ولا اعتراف بحكم قائم حاليا ولا قانون ولا دولة ولا وطن للجميع، ولكنها رؤيتهم فقط وما يريدون، اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنباه، ونجى مصر من عقول أبنائها إذا غابت وضمائرهم إذا ماتت وقلوبهم إذا تحجرت فلم يروا إلا ما يريدون فقط ولتنقسم مصر أو تذهب إلى الجحيم.
د. هانى أبو الفتوح
كاتب وشاعر