
ومن بين أهم تلك الظواهر الجديدة علينا كمصريين هي موجة النزوح إلى الخليج، والتي بدأت في السبعينات، مع الطفرة التي حدثت في بلاد النفط، وأثرت في تشكيل الوجدان العام للشعب المصري بأكثر مما يتصور الكثيرون.
فالمصرى فى الواقع لا يمكن أن يهاجر بالمعنى الحرفى للكلمة، وبالشكل المعهود فى العالم كله، ولا يمكن أن يقطع صلته تماما بأهله وعشيرته وأصدقائه القدامى.. وهو حريص حتى وهو يعيش ويستقر فى الخارج على شراء قطعة أرض أو شقة أو شاليه فيس أى بقعة من بلده.. وقد يغلقها بالسنوات الطوال، لكنه يعرف فى قرارة نفسه، أنه سيعود لا محالة، مهما طالت به سنوات الاغتراب أو الإقامة خارج الحدود.
والمصريون فى الخليج يختلفون عن المصريين الذين يهاجرون أو يعيشون فى أمريكا أو كندا أو أوروبا.. فالمصرى فى الخليج هدفه الأول والأخير هو جمع المال.. وثقافته استهلاكية بحتة.
وستصاب بدرجة عالية من الدهشة إذا قمت بزيارة مصرى قريب أو صديق لك، ويعيش فى إحدى دول الخليج فى منزله فى ذلك البلد ورأيت بنفسك كم "الكراتين" التى يختزنها فى بيته، تحت السرير، أو فوق الدولاب، بل وفى كل ركن من أركان شقته.. ويحرص تمام الحرص على ألا يستعملها أو يستعمل شيئا منها، ومن مشترياته خلال سنين الغربة، رغم أنها قد تطول لتشمل أجمل سنوات العمر.. ويظل يحتفظ بكل ما هو جديد وغالى الثمن ورفيع الذوق لكى يستعمله حين يعود مرة أخرى للحياة فى مصر.
والمصريون في الخليج يعانون من الأفلام والمسلسلات المصرية التى تشوه سمعتنا وتصورنا على أننا نصابين ومحتالين ولصوص وتجار مخدرات وراقصات وساقطات وحشاشين وكذابين.. فالخليجيون ينظرون إلي المصري بريبة وشك حتى يثبت العكس، وخاصة طبقة الحرفيين من غير المتعلمين.
وصحيح أن هذه القاعدة بدأت تنكسر مع ازدياد المغتربين المصريين من الطبقات المتعلمة تعليما جيدا والتى تفرض احترام أصحابها على الجميع، إلا أن كثيرا من سلوكيات المصريين فى الخارج لا تزال تحتاج إلى المكاشفة والمراجعة.