يبدو واضحاً من مؤشرات عديدة، سنأتى على ذكر بعضها الأهم فيما بعد، أن هناك أشياء مهمة تحدث داخل الصفوف القيادية لجماعة الإخوان المسلمين فيما يخص طريقة التعامل مع الأزمة الحالية وسبل الخروج منها. وقبل الدخول إلى ملامح هذه الأشياء المهمة تجب الملاحظة العامة بخصوص دور الجماعة ودور حزب الحرية والعدالة فى إدارة الأزمة، إذ يبدو واضحاً لكل ذى عين وعقل أن الحزب المفترض أنه الكيان السياسى المختص وحده بإدارة الأزمة قد تنحى تماماً إلى ما هو أبعد كثيراً من الخلفية البعيدة التى كان يوجد بها أثناء حكم الدكتور محمد مرسى، بينما تقدمت الجماعة بقيادتها الحالية منفردة لكى تدير الأزمة برمتها دون أى تدخل من الهيئات أو الشخصيات القيادية فى الحزب.
أما على صعيد الجماعة، فإن ما أبرز وجود أشياء مهمة تحدث على صعيدها القيادى فيما يخص التعامل مع الأزمة كان هو اللقاء الذى قام به المبعوثون الدوليون الأربعة مع المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، فى محبسه أثناء محاولتهم المساعدة لإيجاد مخرج من الأزمة. فقد كان أول رد فعل من الجماعة وقيادتها فى رابعة العدوية هو نفى حدوث المقابلة أولاً ثم القول إن المهندس الشاطر هو الذى رفض إتمامها ثم الاعتراف بحدوثها والزعم بأنه رفض الحديث مع المبعوثين الأربعة وطلب منهم التوجه للرئيس المعزول للحديث والتفاوض معه هو دون غيره. وقبل أن تنتهى المقابلة كان المتحدث الرسمى باسم الجماعة الدكتور أحمد عارف يؤكد من على منصة رابعة بصورة حاسمة وشديدة التوتر والعصبية أنه لا أحد يملك داخل الجماعة الحديث باسمها، بل باسم الشعب المصرى، غير الدكتور محمد مرسى، ولا يستطيع غيره أن يقرر شيئاً يخص الأزمة دون الرجوع إليه.
وكانت أنباء تبدو مؤكدة قد أتت قبل هذه المقابلة بأن اجتماعاً طارئاً لمجلس الشورى العام للجماعة قد تم عقده فى رابعة العدوية وشهد حالة من الخلاف الواضح حول طريقة إدارة الأزمة، خصوصاً بين مجموعة القصر الرئاسى، كما يسميها البعض داخل الجماعة، والتى تهيمن على إدارة الاعتصام والتحركات الميدانية، وبين المجموعة التى سبق لنفس المجلس أن كلفها بإدارة التفاوض حول الأزمة وعلى رأسها الدكتور محمد على بشر، عضو مكتب الإرشاد والوزير السابق. وصبت هذه المؤشرات كلها فى اتجاه مرجح وهو أن هناك تبلوراً لاتجاهين داخل الجماعة فيما يخص التعامل مع الأزمة وطريقة الخروج منها.
الاتجاه الأول تقوده المجموعة المشار إليها التى تضم خليطاً من أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام وبعض من مساعدى الرئيس المعزول والعاملين معه أثناء ولايته، وهو الأكثر تشدداً فيما يخص وسائل التعامل مع الأزمة التى يرون ضرورة استمرارها متصاعدة وصدامية، وهدف الجماعة الوحيد وهو عودة الرئيس المعزول مع مجلس شوراه المنحل ودستوره المعطل. وأما الاتجاه الثانى، فهو، وللمفارقة، يرجح أن مركزه هو المهندس خيرت الشاطر الموصوم تقليدياً بالتشدد، والذى ينسى كثيرون أنه أيضاً كان يتسم طوال تاريخه السياسى بالبراجماتية أو النزعة العملية، وكان رجل التفاوض الأول باسم الجماعة مع نظام مبارك المخلوع طوال سنواته الأخيرة. هذا الاتجاه يبدو أكثر حرصاً على حل الأزمة بصورة تحفظ للجماعة وجودها فى المجتمع والدولة، وبحلول وسط تؤمن لها هذا حتى لو كان الثمن هو التنازل عن كثير مما يطرحه الاتجاه الأول من أهداف ثلاثة وبعض من الوسائل المتصاعدة والصدامية التى يعتمدها لتحقيق هذه الأهداف.
فهل هذا هو ما يحدث بالفعل داخل الجماعة؟ سؤال لن تجيب عنه سوى الأيام بتطوراتها ومفاجآتها، وستكون الإجابة غير بعيدة عما عرفته الجماعة من خلافات وصراعات وانشقاقات فى لحظات الأزمات السابقة أو كما تسميها الجماعة «المحن».