أوضحت فى المقال السابق أنه فى حالة فض الاعتصامين بالقوة سيهلك عدد كبير من الناس، مع الوضع فى الاعتبار أن الاعتصام به نساء وأطفال، ومن بين الأطفال، أيتام، ومعاقون، ولاجئون سوريون. إن كنت ممن تدعى أنك من أصحاب القلوب القوية، وستقول: ما فى داهية المهم نخلص. فلست فى مكان أفضل منك كى أقيمك أخلاقيا، لكن الحقيقة أننا لن «نخلص». القاصى والدانى يعلم أن جماعة الإخوان المسلمين وضعت كل بيضها فى سلة التدخل الدولى، ويبدو أن القوى الدولية تميل بكفتها حتى الآن لدعم الجماعة وإن أصبحت فى موقف المتردد الآن، وسبب ترددها هو استمرار الاعتصامين دون صدى.
أذكر بعد واقعة الاتحادية تصريحا لمحمود غزلان قال فيه إن من قتلوا من الإخوان سيشكلون مكسبا كبيرا للجماعة. بقول آخر، لأن سكان رابعة قد ضجوا من رائحة «البيبى فى الجنينة» فهم يناشدون الداخلية أن تفض اعتصاما مسلحا به أطفال ونساء ورهائن محتجزون فى غرف التعذيب، وسينتج عن ذلك موت المئات، بل ربما الآلاف، مما سيقوى موقف الجماعة ويضعف موقف الدولة أمام المجتمع الدولى، الذى سيضغط حتى تحصل الجماعة على أفضل شروط فى عملية التفاوض. الآن، يعلم كل من يعتصم فى رابعة أن مطلب عودة مرسى هو ضرب من ضروب الخيال، وسبب يأسهم من تحقيق هذا المطلب هو «التناحة» التى تلومون القيادة عليها. تخيل أنك تزيل ورما خبيثا من العمود الفقرى، لا يجدر بك أن تقول: يا عم اقصم له ضهره وخلصنا. ولا يليق أن يدون فى كتب التاريخ: فرضت العقوبات على مصر، أو واجهت مصر ضغوطات دولية تسببت فى انتكاسة ثورتهم لأن سكان رابعة تضايقوا من البيبى.
هناك عدة نقاط يجب الالتفات لها والسؤال عنها أهم بكثير من: حتفضوا الاعتصام؟ لا مش حيفضوا الاعتصام.. همّ معتصمين فوق راسكوا؟ كلما طال أمد الاعتصام دون مردود على الأرض أو فى التفاوض ودون المساس بالمعتصمين وإعطاء الجماعة فرصة لعملية التسول الدولى التى تبرع فيها كلما صب ذلك فى المصلحة الوطنية، وضد مصلحة الجماعة التى ثبت لكل ذى عينين أنها جماعة خائنة للوطن. لكن التساؤل عن تصرفات الداخلية المريبة جائز: مثلا، لماذا تصر الداخلية على الإعلان عن عزمها على فض الاعتصام كلما بدأ الاعتصام فى التهالك مما يستتبع حالة استنفار وعودة من غادروا الاعتصام لحمايته من الفض؟ وكأن الداخلية تحشد لاعتصام، فى ذات الوقت، تغيب الداخلية تماما عن المشهد فى الصعيد، ولا تحرك ساكنا إزاء ما يحدث من اعتداءات إجرامية ضد المسيحيين، بل إننا لا نجد ولو متابعة إخبارية من قبل وزارة الداخلية، وكل ما يصلنا من الصعيد هو شهادات الأهالى والضحايا.
حقيقة، لا أثق فى وزير داخلية الإخوان، محمد إبراهيم. للتذكرة، وللمرة الألف بعد المليون، محمد إبراهيم هو الوزير الذى أتى به محمد مرسى عقب رفض أحمد جمال الدين ضرب المتظاهرين أمام الاتحادية، لا لأنه يتمتع بالإنسانية والرحمة، حيث إن جمال الدين قتل عددا من الناس فى محمد محمود 3، ومنهم الشهيد جابر صلاح (جيكا)، ولكن لأن الأعداد أمام الاتحادية كانت لا تسمح بتصدى قوات الأمن للمتظاهرين بالقوة، وهذا هو ما صرح به أحمد جمال الدين ذاته، فعزله مرسى، وأتى بمحمد إبراهيم، الذى نفذ على الفور مجزرة بورسعيد، إلى جانب انتهاكات متتالية شهرية، كان أبرز ضحاياها الأطفال، وقتها بررت الجماعة قتل هؤلاء الأطفال واعتقالهم، بل وهتك أعراضهم بأنهم «أطفال شوارع صيع مأجورون».
قال الناس: فلنسامح محمد إبراهيم على جرائمه إبان حكم الإخوان لانحيازه للثورة! وهل كان يجرؤ محمد إبراهيم على تحدى المؤسسة العسكرية التى تعهدت بحماية المتظاهرين؟ طيب.. سامحناه، فهل قام بحماية المواطنين فى بين السرايات والمنيل من رصاص الجماعة؟ هل وجدنا أى حضور لقوات الأمن لحماية الكنائس والمسيحيين فى الصعيد؟ ربما يكون مرتبكا أو غير كفء. طيب، لماذا يعلن عن فض الاعتصامين ثم يتراجع عن ذلك ولا يكون لتصريحاته مردود سوى الحشد للاعتصامين، وبناء المزيد من الدشم؟ يمكن على نياته. طيب لماذا لا تحاوط قوات الأمن الاعتصامين كما أعلنت عدة مرات؟ وإن كانت تحاوطهما، فكيف دخل الطوب والزلط والأسمنت لبناء الملاهى والدشم العسكرية؟ طيب لماذا لا تحاصر قوات الأمن الاعتصامين بحيث تحمى المواطنين الذين يخرجون من كل من الاعتصامين جثثا هامدة عليها آثار التعذيب، أو على الأقل لتمنع المعتصمين من الخروج لقطع الطريق؟ إما هو وزير متواطئ أو «خايب».. فلماذا يظل فى منصبه؟