أصبح الكثريون منا على قدر كبير من الإنفصام في المباديء والأفكار النبيلة التي ندعي دوماً أننا متمسكون بها ولن نتخلى عنها تحت أي ظرف من الظروف .. سواء كان تمسكنا بتلك المباديء والأفكار في تلك اللحظة في صالح أصحابها أم في صالح من هم ليسوا مؤمنين بها.
لم أتعجب من رد الفعل لكثيرين من المصريين الذين يعتنقون أفكار فاشية ويرددون شعارات من نوع «هيبة الدولة أهم من حياة مواطنيها .. وأن الدولة يجب أن تكون تحت قيادة عسكرية .. وأن الشباب الذين ينادون بالديمقراطية هم ممولون من الخارج» .. على ما تم تسريبه للإعلام عن المصالحة المحتمل تنفيذها في هذه الأيام بين الدولة حكومة وجيش وبين قيادات جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المعزول «محمد مرسي» من قبل تيرات الإسلام السياسي وبعض من المصريين البسطاء الذين يؤمنون بعودة الشرعية المزعومة للرئيس المعزول وقرروا الإعتصام في ميدان «رابعة العدوية» من أجل الدفاع عن ما يؤمنون به، حتى وإن كان هذا يتعارض مع إرادة الأغلبية من الشعب المصري، على أن تتولى هذه القيادات فض إعتصامهم بأنفسهم أو تتم عملية «تمثيل» الفض بطريقة سلمية من قبل الشرطة حفاظاً على صورة القيادات الذين تمت معهم الصفقة أمام قواعدهم، مقابل الإفراج عن بعض من قيادات مكتب الإرشاد وعدم ملاحقة أحد ممن هم في الإعتصام قضائياً وأن لا يتم حل الجماعة ولا الحزب وبعض من الأمور الإجرائية .. لكني تعجبت كل التعجب عندما رأيت أن كثيرون ممن كانوا يتبنون مباديء وأفكار الحرية والديمقراطية وأدبيات حقوق الإنسان يعتبرون أن هذه المصالحة خيانة للثورة ويجب سحق هؤلاء جميعاً في أماكنهم قيادة وقواعد، ولا مانع من سقوط المئات الضحايا المتوقعين جراء ذلك الفض بالرصاص والخرطوش والمدرعات، لأن هيبة الدولة يجب أن نستعيدها حتى وإن كانت على جثث المئات من مواطنيها الضعفاء .. من دون شفقة ولا رحمة وكأن المباديء تستدعى إن كانت في صالحنا وتدهس بالأقدام إن كانت في صالح خصومنا.
أدرك تماماً أن قيادات تلك الجماعات تستحق أن تلقى في السجون مدى الحياة، بل والبعض منهم يستحق الإعدام لما إقترفوه في حق هذا البلد وشعبه على مدار السنة الماضية والأهم على ما أقترفوه في حق البسطاء من قواعدهم في تغييب عقولهم على مدار سنوات طويلة، ثم إستدعائهم إلى ميدان «رابعة العدوية» لحماية تلك القيادات، حتى وصل الأمر الأن إلى أنهم أتخذوا تلك الألاف من البسطاء رهينة عندهم كي يضمنوا هم حياتهم .. إلا أن من المرفوض تماماً أن تقتل الدولة المئات من أجل القبض على بعض أفراد من القيادات لا يتجاوز عددهم العشرين فرداً.
هل يكون جزاء كل هؤلاء البسطاء القتل لأنهم ضحايا أفكار مشوهة ساهمت الدولة نفسها على مدار ستون عاماً بالقدر الأكبر في إلقاء هؤلاء في غيابات تلك الأفكار العدائية ؟
هل يكون من الإنصاف أن تعلق عجز وفشل الدولة وإنعدام مهارات أجهزتها في إستخدام الوسائل الحديثة التي تمكنهم من القبض على عشرون فرداً في رقبة ألاف من هؤلاء البسطاء ضحايا الأفكار الغير سوية ؟
من الإنصاف أن تتحمل الدولة مسؤوليتها عن عدم قدرتها على التفريق بين عقاب المجرم وإنقاذ الضحية .. حتى لو إستدعى الأمر إلى تقديم بعض التنازلات الممكنة التي هي سمة أي مفاوضات من أجل الإنهاء السلمي لتلك الأزمة التي يجب أن تنتهي الأن وليس غداً .. وبعد أن تتعافى من الفشل والعجز تستطيع بعد ذلك التعامل وفرض سيطرتها على الجميع
يا أصحاب المباديء .. استقيموا يرحمكم الله.