فى صلاة العيد الماضى كانت هناك ملاحظتان أساسيتان اختلفتا هذا العيد. الملاحظة الأولى كانت ذلك الشعور بالكآبة والخوف من المستقبل فى ظل جماعة قررت أن تسوق المواطنين كالأغنام فى الاتجاه والطريق الذى تريده، وهذا بدا فى صلاة العيد العام الماضى عندما سيطر الإخوان على جميع ساحات الصلاة- هذه هى الملاحظة الثانية- وبدوا فى حالة شديدة من الاعتزاز بالقوة، أو الإثم بالقوة، فكانوا على مداخل الساحات يقررون الخطيب من يكون ويقودون الجموع إلى الأماكن التى يرونها، وسوف يفهم هذا كل من صلى العيد العام الماضى فى أى قرية مصرية، حيث كانت سيطرة الإخوان على مسجد القرية الرئيسى ومركز شباب القرية، وهذه إشارة مهمة إلى أهمية مراكز الشباب التى كلفوا بها أحد أهم عناصرهم التنظيمية والحركية، ومن خلال المسجد ومركز الشباب فرضوا إحساساً من القوة والسيطرة، وتسبب هذا فى إحساس عام بالاكتئاب والخوف من المجهول فى ظل حكم الجماعة.
الأمر هذا العام بدا مختلفاً بشكل واضح، خاصة فى القرى، وهذه إشارة إلى أهمية القرى فى قرار المستقبل، فمصر ليست القاهرة ولا عواصم المحافظات، ومصر ليست التحرير أو رابعة أو النهضة أو القائد إبراهيم. مصر هى أكثر من خمسة آلاف قرية بها عشرات الملايين الذين يشكلون القوام الرئيسى للشعب المصرى، لذلك الاهتمام بهذه القرى سوف يكون عنصراً حاسماً فى مستقبل البلد، خاصة مع الإشارة الآن لملحوظة مهمة ذكرها لى منذ أشهر أحد أصدقائى المهتمين بمتابعة شؤون الجماعات الإسلامية وهى أن الخطير ليس سيطرة الإخوان وقتها لكن الأخطر هو سيطرة أعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة، الذين كانوا ممنوعين من اعتلاء المنابر لانحراف فكرهم، على الزوايا والمساجد فى كل قرية مصرية، وهم هنا يجهزون لجيل جديد من المتشددين الذين يمثلون قاعدة مهمة للجماعات الإسلامية المتشددة حيث يركزون على الصبية والشباب الصغير لتشكيل وتكوين جيل جديد، وهؤلاء ما زالوا منتشرين وهى ظاهرة تحتاج إلى متابعة وإجراءات لحماية المستقبل. كانت هذه إشارة مهمة قبل أن أنتقل إلى ما تغير من أجواء فى صلاة العيد هذا العام.
ساحات صلاة العيد الخميس الماضى بدا فيها حالة ارتياح حقيقية، ترجمها البعض بأنه عيد بلا إخوان. ذهب الناس للصلاة فى الساحات الرئيسية ولم يكن هناك إخوان، لا أشخاص ولا شعارات. فقد هجر الإخوان تلك الساحات التقليدية ومن حاول منهم شعر بأنه غير مرحب به نتيجة مواقفهم منذ ثورة الثلاثين من يونيو ومحاولتهم إعاقة التقدم نحو المستقبل.
فى العديد من القرى المصرية صلى الأهالى صلاة العيد فى الساحات التى اعتادوا عليها فى كل عيد، بعض الإخوان طالبوا بالصلاة داخل المساجد ورفض الأهالى، فى بعض القرى حاول الإخوان السيطرة على الساحات وطردهم الأهالى، قرى أخرى أصر أهلها على منع رفع لافتات التهنئة بالعيد التى تحمل توقيع الإخوان أو أى من قادتها، وكان موقفهم حاسماً. وتطور الأمر فى قرى أخرى إلى اشتباكات ومطاردة من الأهالى لأعضاء الإخوان، خاصة تلك القرى التى فقدت أحد أبنائها على يد الإخوان أو تابعيهم من الإرهابيين فى سيناء. ونموذج متكرر لذلك ما شهدته قرية كفور نجم التابعة لمركز الإبراهيمية، فقد سيطرت حالة من الغضب والاستياء على نفوس الأهالى الذين أعلنوا عن عزمهم منع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من المشاركة فى تنظيم صلاة العيد لهذا العام بمساجد وساحات القرية أو المساهمة فى إقامة شعائرها وطقوسها أو تعليق لافتات خاصة بالجماعة لتهنئة الأهالى بتلك المناسبة، مؤكدين أنهم سيسمحون لهم بأداء الصلاة فقط. هذه القرية فقدت أحد أبنائها شهيداً فى هجوم إرهابى فى سيناء على إحدى الوحدات العسكرية.
إذن خريطة القرى فى مصر فى صلاة العيد كان الإخوان فيها إما مطاردين أو منبوذين أو معتزلين، فقد قرر بعضهم أن يكون له مكان منفصل ومنعزل عن أهل القرية الرافضين لهم. هذه الملاحظات لها دلالات مهمة ينبغى أن توضع فى الاعتبار، أشرت سريعاً لها ولا بأس من إعادة الإشارة إليها مرة أخرى. القرى المصرية هى أساس المجتمع المصرى وأصل المصريين، احتل الإخوان القرى المصرية فى ظل غياب الدولة وتخلى مؤسساتها عن القيام بدورها المفترض منها، سيطر الفهم المتشدد للإسلام فى غياب صوت الاعتدال واستيلاء المتشددين على منابر الجوامع وتحويل المساجد والزوايا إلى أكبر معامل تفريخ لجيل متشدد من الإرهابيين وتيارات الفهم الخاطئ للدين واستخدامه. هذا هو واقع الريف المصرى، يجب فهمه والاعتناء به لأنه كما كان نقطة انطلاق وقوة الجماعة وأتباعها فإنه مستعد الآن كى يكون نقطة انطلاق الدولة المصرية الوسطية كما يريدها أهلها. أهل الريف اكتشفوا حقيقة الإخوان وطردوهم كما ظهر فى صلاة العيد، ونبذ الإخوان أنفسهم فيما يشبه الجيتو اليهودى، وهذه هى الفرصة لبناء جسور جديدة من الثقة والاحترام بين الدولة وقراها إذا كنا نريد حقاً إنقاذ مصر.
صديق لى يقضى العيد مع أهله فى إحدى قرى الدلتا أرسل لى بهذه الرسالة: «ظاهرة أخرى، زفة الأفراح فى القرى والمناطق الشعبية أغنية تسلم الأيادى، لو السيسى كمل صح هيتحول لبطل شعبى».