يدرك الشعب المصرى بالفطرة (مثل غيره من الشعوب) أن السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة والأدب والدين والأخلاق والمبادئ، كلها لعبة لها قواعد سرية مختفية مثل جبل الثلج تحت الماء، لا يظهر منها إلا قمة صغيرة هلامية مراوغة متغيرة الألوان كالحرباء، ولا يمكن لأى شعب فى العالم أن يعرف الحقيقة أبداً، وكم من رجال ونساء اعتبرهم التاريخ قادة عظماء وكانوا فى الحقيقة قتلة وسفاحين وكذابين؟
لهذا يلجأ الشعراء والشاعرات (البعيدون عن السلطة الحاكمة) إلى الخيال للقبض على الحقيقة، مثل القبض على الريح أو على الجمر أو على الثور الذى يحمل الأرض فوق قرنيه وينقلها من قرن إلى الآخر.
لو تأملنا الوجوه البارزة فى العالم لأدركنا بؤس العالم، مبعوث اليمين الأمريكى الإسرائيلى (جون ماكين) يجلس مع حكام مصر، رافعاً ساقه فوق الأخرى، وقعر حذائه فى وجه الجالس أمامه.
تمت مصادرة مجلة مصرية (منذ سنين) بسبب طفل رسم بالقلم الرصاص الرئيس الأمريكى جالساً رافعاً الساق فوق الساق وقعر حذائه فى وجه الرئيس المصرى المبتسم بسعادة.
استرد الشعب المصرى كرامته المهدرة (عقوداً أو قروناً) بعد ثورة يناير ٢٠١١ والثورات المتتالية فى يونيو ويوليو ٢٠١٣، لكن خلال هذه الأيام القليلة من شهر أغسطس، ومع مجىء أشتون وماكين وأمثالهما، تمت إزالة كرامة الثورات العظيمة كلها بما لا يقدر بمال قارون أو حجم المعونات مجتمعة من كل البلاد.
وفى أيام العيد بعد رمضان رغم فرقعات البمب والكعك والأحذية الجديدة لم يخفق قلب الشعب المصرى كما خفق أيام الثورة والفرح بالخلاص من الفساد والاستبداد والكذب والخداع ومهانات الداخل والخارج.
امرأة مات ابنها الوحيد أيام الثورة كانت تبكى فى العيد وتسأل صورة ابنها المعلقة فوق الحائط فى بيتها: راح دمك هدر يا ابنى؟
أغلب الوجوه المقررة (فى التاريخ وفى المدارس والإعلام) ملامحها متشابهة رغم اختلاف الجنسية والعقيدة والدين والجنس، لا تختلف ملامح مارجريت تاتشر كثيراً عن ملامح رونالد ريجان، ولا أنجيلا ميركل عن باراك أوباما، ولا السادات عن نيكسون، ولا مبارك عن جورج بوش الأب والابن والروح القدس.
تلعب السياسة الخفية دور الآلة الحديدية التى تسك الوجوه كما تسك النقود وتجعلها قروشاً متشابهة، رغم اختلاف الدول والعقائد والأديان والأجناس.
فى مهنة الطب النفسى أدوات وأجهزة لاكتشاف الكذب، لكن عقل الإنسان الطبيعى (لم تفسده مهنة الطب) يقرأ الكذب فى الوجه، من حركة العين أو الفم أو الفك أو اهتزاز الشعيرات داخل فتحة الأنف.
لو تأملت وجه جون ماكين ماذا تقرأ؟
لا يحتاج الأمر لكل هذه الاجتماعات والمناقشات مع الوفود الأمريكية المكوكية كى يدرك الحكام الجدد فى مصر ما يدركه الشعب بالفطرة والبديهة.
شاب فقد عينيه الاثنتين أيام الثورة أدرك (بالبصيرة) دون أن يرى وجه جون ماكين أن إرادة الشعب المصرى لا غالب لها (فى الداخل أو فى الخارج) هذا الشاب شارك فى كل الثورات منذ يناير ٢٠١١ وتأكد أن قوة الشعب المصرى غير المسلح أكبر من أى سلاح تملكه أمريكا وإسرائيل وميليشيات الإخوان المسلمين وغير المسلمين.
هذا هو تاريخ الشعوب المكتوب والشفهى، هذه الحقيقة تقول: تزول الحكومات والدول والجيوش والأسلحة وتبقى الشعوب.
كم عمر الشعب المصرى؟ كم آلاف السنين عاشها الشعب فى وادى النيل رغم الغزوات المتكررة المخادعة من الخارج والحكومات المستبدة الفاسدة فى الداخل؟
هل السرية داء لا علاج له؟
هل تتشابه الملامح مع إدمان الكذب؟