خطابان يستخدمهما الإخوان، أحدهما محلى لحشد البسطاء فى رابعة والنهضة، والآخر للتصدير لمخاطبة الرأى العام العالمى، وكلاهما متناقضان لا يبدو فيهما أن الإخوان مقتنعون لا بالخطاب الأول ولا الثانى، إنما فقط بتحقيق مكاسب صغيرة قصيرة الأمد على حساب مكاسب حقيقية تأتى ولو بعد حين من مواققف مبدئية لا مراوغة فيها.
والحقيقة أن معظم شعارات الإخوان فى الداخل تربط بين الدفاع عن الشريعة وعودة الرئيس السابق مرسى، وتهتف كل يوم «إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية»، وتعتبر أن هناك مؤامرة علمانية صليبية على الحكم الإسلامى فى مصر، وتعتبر حكم الإخوان مرادفاً لحكم الإسلام الذى تآمر عليه الليبراليون والعلمانيون.
ويتحول هذا الخطاب حين يصدر خارج الحدود من إسلامى فى الداخل إلى ليبرالى فى الخارج، ويتناسى خطاب الشريعة والحكم الإسلامى الذى يحشد به البسطاء فى المظاهرات، ويبدأ فى الحديث عن الحكم المدنى الديمقراطى الذى أهدره العسكر والانقلابيون.
خطاب التصدير شديد الاحتراف يحول الإخوان إلى فصيل مدنى ليبرالى لا علاقة له بالشريعة ولا بالحكم الإسلامى، ويبدو الأمر لافتاً فى قدرة الإخوان على التمسك بخطاب الشريعة من أجل الدفاع عن كرسى الحكم، رغم علمهم جيداً أن الشريعة غير مهددة وظلت مصونة فى قلوب المصريين ولم يعترض عليها أحد حتى من بين أكثر العلمانيين تطرفاً.
إن طرح مشكلة الشريعة للداخل المصرى يعنى ببساطة أن الإخوان غير قادرين على حشد أنصارهم خلف قضية سياسية وديمقراطية، فالإصرار على التظاهر من أجل مطلب وهمى لم يتجاهله الدستور حين نص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» يدل على عجز سياسى كامل عن حشد هذه الجماهير خلف قضية واحدة لا توظف فيها الشريعة لصالح أغراض سياسية وحزبية ضيقة.
والحقيقة أن غير المطبق من الشريعة هو الجوانب التى تجاهلها حكم مرسى من الدفاع عن الفقراء والمحتاجين، والشريعة التى تحارب الفساد وتؤسس للديمقراطية والعدالة والمساواة، وهى كلها تحتاج إلى اجتهادات الناس وعرقهم لا نقلهم فى أماكن مختلفة للتظاهر والاعتصام غير السلمى.
هناك شعارات ترفع فى رابعة فيها من التحريض والكراهية ما يستحيل أن نسمعه فى أى بلد ديمقراطى، ولو ترجم ربع ما يقال للخارج لعرف العالم حقيقة الموقف المزدوج للجماعة، وأن ما يصدر عبر بعض القنوات الفضائية للخارج، وعبر أدوات الإخوان الإعلامية من حديث ديمقراطى ليبرالى، هو عكس التحريض على العنف الذى يقال كل يوم فى رابعة.
حمل الأطفال لأكفانهم مشهد لا يمكن أن نجده فى أى مظاهرة فى أى بلد ديمقراطى غربى؟ وهل هناك رجال دين يدعون على شعوبهم بالقتل أمام رئيس الجمهورية الذى لم يحرك ساكناً إلا فى عهد مرسى؟ وهل هناك رجال دين يصفون أبناء مذهب آخر بالأنجاس ويدفعون الغوغاء لقتل 5 منهم؟ هل هذه المظاهر لها علاقة بأى مظاهرة سلمية فى العالم؟ ما يفعله وما فعله الإخوان فى الداخل هو عكس خطاب الإخوان الذى يصدر للخارج، ويتحدث عن ديمقراطية لم يعرفوها وليبرالية يكرهونها؟ هذا هو خطاب قادة الجماعة المزدوج الذى يجب فضحه أمام الرأى العام العالمى.