إن أكثر ما يثير الريبة فى هذا الاهتمام الزائد من الغرب بما يجرى الآن فى مصر، والذى تخطى القواعد الدبلوماسية القاضية بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، هو ذلك الإصرار على الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وعدم اللجوء للعنف، والتى تبدو كلها اعتبارات إنسانية نبيلة ومواقف سياسية شرعية ومقبولة، لكنها كلها تثير السؤال: أين كانت كل هذه الاعتبارات الإنسانية النبيلة والمواقف السياسية الشرعية وقت حكم الإخوان لمصر، والذى تم خلاله انتهاك كل الاعتبارات الإنسانية والسياسية والاجتماعية، بل الدينية أيضاً؟!
أين كان ذلك الغرب المتباكى على الديمقراطية وقت أصدر الرئيس محمد مرسى إعلانه الدستورى المشؤوم الذى حصن فيه قراراته ضد أى مساءلة قانونية؟ أين كان الغرب وقت حاصر أتباع الإخوان أكبر مؤسسة قضائية فى البلاد وهى المحكمة الدستورية العليا، عنوان دولة القانون، ومنعوا أعضاءها من الدخول إليها لأداء عملهم؟ أين كان الغرب وقت ضرب رئيس الجمهورية الإخوانى عرض الحائط بأحكام القضاء وأعاد مجلس الشعب الباطل الذى كانت تسيطر عليه الأغلبية الإخوانية؟
ثم أين كان ذلك الغرب المتباكى على الديمقراطية وقت قام حكم الإخوان المستبد بإقصاء كل التيارات السياسية الأخرى من المشاركة فى العمل السياسى، الذى لا يقوم فى النظم الديمقراطية إلا على الحكم والمعارضة معاً؟!
وأين كان الغرب وقت ناصب حكم الإخوان العداء لقطاعات عديدة من المجتمع، كان فى مقدمتها الإعلاميون والمثقفون، الذين وصل عداء رئيس الجمهورية لهم حد التنكيل بهم بالاسم فى الخطب الرسمية؟!
وأين كان الغرب الحريص على عدم اللجوء للعنف فى التعامل مع المتظاهرين حين سقط الشهداء من الشباب أمام الاتحادية وفى المقطم، وبمختلف الشوارع والميادين، حتى أصبحت أعدادهم تحصى الآن بالمئات، كان من بينهم جيكا والحسينى أبوضيف ومحمد الجندى وكريستى وغيرهم ممن سقطوا جميعاً بعد وصول الإخوان للحكم؟!
إن هذا الاهتمام الزائد الذى لم نشهد له مثيلاً من قبل، لا أيام مبارك ولا أيام الإخوان، الذى وصل إلى حدود تكاد تكون مرضية، يدفعنا للقول بأنه لو أن الغرب أظهر نصف هذا الاهتمام المحموم بالديمقراطية وبحقوق الإنسان وبعدم اللجوء للعنف وقت حكم الإخوان لربما تجنبنا الكثير من المصائب التى حدثت خلال الحكم الكارثى للإخوان.. ومن يدرى فربما حال ذلك دون خروج الملايين ضد حكم المرشد، ولربما كان مرسى مازال فى الحكم حتى الآن؟!