انتهى ماراثون الدراما الرمضانية وكان ينبغى أن أظل صامدًا أمام التليفزيون حتى الحلقة رقم 30، وما أدراكم ما الحلقة رقم 30.
لاحظت توافقًا، من المؤكد غير مقصود بين «الداعية» و«العراف»، كل منهما قدّم نهايتين، وهما بالمناسبة من أكثر المسلسلات الرمضانية التى حظيت بدرجة كثافة عالية من المتابعة بغض النظر عن المستوى الفنى.. الأول بسبب أنه يمس أحداثًا عاشها الناس فى الأعوام الأخيرة ويلمس شيئًا واقعيًّا كانوا جزءًا منه، إنه أقرب إلى دراما الواقع، مثل تليفزيون الواقع، حيث تمتزج الواقعة الموثقة مع الشخصيات الدرامية، وفى أحيان كثيرة يتم قطع الخيط الفاصل بينهما، بينما «العراف» فإنه يمتلك سلاحًا جماهيريًّا اسمه عادل إمام، عندما يقول ريان يا فجل نكتشف أن قطاعًا وافرًا من الناس يردد وراءه يا فجل يا ريان.
فى مسلسل عادل إمام، قدموا له نهاية طالت أكثر مما ينبغى، حتى تسمح بميلاد نهاية ثانية، النهاية الأولى لم يقل المؤلف يوسف معاطى صراحة أنها الأولى، ولكننا نكتشف موت عبد الحميد البكرى وودعه أبناؤه وشيعوه ونزلوا به إلى التربة -رغم أن العادة هى أن يكشف وجه الميت بعد نزوله إلى قبره إلا أن هذا الطقس لم يقدمه المخرج حتى لا يحرق المفاجأة- اتضح أن الذى مات هو صديقه سعيد طرابيك، تخيلوا أن أبناءه لم يحضروا الغسل ولا التكفين، ولكنهم على الأقل حملوه كما شاهدناهم ونزلوا به إلى المقبرة ولم يلحظوا شيئًا، أراد صُناع المسلسل خداع الجمهور لأننا فى مشهد سابق شاهدنا عادل إمام وهو غائب عن الوعى ولا يستمع إلى كلمات صديقه الحشاش سعيد طرابيك، فصدقنا أنه مات بينما كما نكتشف بعد ذلك أن عزرائيل فى اللحظات الأخيرة وقع اختياره ربما بطريق الخطأ على طرابيك، أما ثروته الطائلة التى يعلم كل أبنائه أنها مسروقة فلقد ارتضوا جميعًا أن يقتسموها، وتأتى المفاجأة أنه يواصل النصب منتحلًا شخصية صديقه الراحل، بينما نرى ضحكات هيستيرية مجنونة من اللواء حسين فهمى الذى ترك الخدمة وفى نفسه شىء من عبد الحميد البكرى وكأنها نهاية ثانية على طريقة «الليمون بالنعناع» الذى يخلص مصر من كل مشكلاتها، عادل إمام يذكرنا بقفلة مسلسل «ناجى عطا الله» التى تشعرك بأن فريق العمل غُلب حماره ولم يعرف كيف ينهى الأحداث، فباع للمشاهدين الترام والحمار.
أما «الداعية» فإن الكاتب مدحت العدل والمخرج محمد العدل أنهيا مشكلة ريهام عبد الغفور شقيقة هانى سلامة وعادت إلى زوجها أحمد فهمى فى تلفيق درامى فادح وفاضح، بينما جاء المشهد الأخير ليجمع بين النغم والموت، فى النهاية الأولى فى دار الأوبرا تغتال يد الإرهاب الداعية هانى سلامة، القاتل يعبر عن أصحاب النظرة المنغلقة للإسلام بينما الداعية شاهدناه فى الأوبرا يعلن عن مشاعره مصالحًا الموسيقى مؤمنًا بحق الإنسان فى الاختيار، فهو حتى لا يطلب من حبيبته بسمة التى ستصبح زوجته ارتداء الحجاب، وجاء القتل لينهى فى لحظات كل شىء إلا أن الكاتب لم يرض فى الشهر الكريم أن يودع المتفرج الشاشة الصغيرة وهو حزين على الحبيبين فقدم نهاية أخرى وهى أن رجال الشرطة يتمكنون من إلقاء القبض عليه قبل أن يشهر المسدس متجهًا إلى الداعية.
أراد صُناع مسلسل «الداعية» منح الأمل للجمهور المتعطش لكى تنتصر إرادة الحياة، ذكرنى بالمخرج سامح عبد العزيز مع الكاتب أحمد عبد الله فى فيلم «الفرح» عندما اختارا نهايتين الأولى حزينة تحمل عقابًا بالقتل لمن يخطئ بينما الثانية سعيدة لمن يمشى على الصراط المستقيم فله الحياة والنجاة.. بينما جاءت نهاية «الزوجة الثانية» بالطفل يموت لحظة ولادته ويتمسّك به الأب عتمان وهى نهاية أخلاقية مباشرة، بينما كانت النهاية فى فيلم «الزوجة الثانية» لصلاح أبو سيف تتسق مع العمق الفكرى فهو رجل عقيم وعاجز بالمعنى الأدبى ولهذا فإن الابن كان لأبو العلا بينما العمدة يموت وهو مذبوح فى كرامته وشرفه.
«موجة حارة»، جاءت النهاية توافقية حيث تعايش ضابط الشرطة إياد نصار مع رانيا يوسف بعد أن اكتشف كل منهما أنهما وجهان لعملة واحدة.. أما «ذات» فحتى كتابة هذه السطور لم أشاهد الحلقة الأخيرة، ولكننا ندرك أنها تأتى مع ثورة 25 يناير ولعله المسلسل الوحيد الذى منح ثورة «اللوتس» ما تستحقه.
انتهى ماراثون مسلسلات رمضان ليبدأ ماراثون أفلام العيد وما أدراكم ما أفلام العيد!!