مارس الإخوان المسلمون العنف الممنهج والواضح كجماعة مرتين فى تاريخهم، كانت المرة الأولى موجهة بشكل مركز ضد رموز وأشكال الدولة، وتلك هى التى كانت فى أيام الملك والتى مارسها التنظيم الخاص للجماعة بأيديه وبسلاحه، وتأذى المصريون من تصرفاتهم وهمجيتهم واستخدامهم السلاح فى وجه الدولة، عدة سنوات فى شد وجذب، وانتهوا بقتل حسن البنا وعودة الجماعة للتقوقع مرة أخرى، والعمل السرى كان منه التنسيق مع بعض من الضباط الأحرار للإطاحة بالملك، وبعد يوليو ومحاولتهم استخدام السلاح مرة أخرى لاغتيال عبد الناصر، دخل معهم عبد الناصر فى حرب إبادة حقيقية وشاملة، فتقريبا لم يذر منهم أحدا وصاروا بين سجين وهارب خارج مصر، نفذ عبد الناصر حربه ضدهم، مستندا على دعم الشعب وتأييده له، ونفذ بموجب ذلك أيضا اعتقالات فى صفوف الشيوعيين وأقدم على إجراءات استثنائية منها حل الأحزاب وخلافه – ليست موضوعنا الأساسى – ولكن المهم أن الإخوان فى تلك الفترة التى قبعوا فيها فى السجون واستقروا فيها خارج مصر، أجروا محاكمات داخل السجون لأعضائهم ونقوا صفهم – من وجهة نظرهم – واستقروا على المنهج الذى يتبعونه ويؤسسون عليه مرحلة ما بعد خروجهم من السجن، وبحسبة سياسية مختلفة عن الرئيس عبد الناصر قام الرئيس السادات بإخراجهم من السجون – بعضهم خرج بعد أكثر من عشرين عاما – وأطلقهم للعمل فى الحياة السياسية المصرية، فأعادوا بناء التنظيم وبدأوا بجد فى بناء التنظيم الدولى،
وقد صنعوا فى ذلك نجاحات كبيرة فأسسوا فروعا للتنظيم فى عدد كبير من الدول، وأنشأوا عددا من الشركات فى بعض منها لتتولى مهمة التمويل السرى، ولما تولى حسنى مبارك السلطة كان مرتابا منهم ومذعورا ووضعهم فى أم رأسه من أول لحظة هم وكل من ينتمى للجماعات الإسلامية بأنواعها، فعادوا مرة أخرى للعمل شبه السرى، ولم يمنع ذلك من دخولهم فى صفقات مستمرة وكبيرة مع الدولة، وقد استطاعوا بناء قواعد كبيرة وضخمة خلال حقبة حسنى مبارك خصوصا منذ نهاية التسعينيات وحتى سقوطه، فقد شهدت تلك الفترة نشاطا وتوسعا كبيرا للجماعة، وإنشاء لقواعد كبيرة وجديدة لم تكن موجودة فى الكثير من المدن والقرى، مستغلين فكرة الإسلام هو الحل وأنهم الجماعة المؤمنة المظلومة والمقهورة التى تواجه الدولة المستبدة، فضلا عن خيبة نظام مبارك وعبطه فى مواجهتهم، وفى التعامل الأمنى والسياسى معهم فقد كانوا معينين بغبائهم على تضخم وتقوية تلك الجماعة.
أردت من تلك التذكرة السريعة أن ألقى الضوء على ما يفكر فيه أعضاء الجماعة الآن سواء المحبوسون منهم أو الطلقاء، فهم الآن يفكرون ويدبرون لكيفية الخروج من تلك الأزمة بأكبر قدر من المظلومية ليتمكنوا من التمسك بما يسمح لهم بالعودة مرة أخرى، ولو بعد سنوات، ولهذا يرغبون فى أكبر قدر ممكن من الدماء، فهى ليست بغالية عليهم على أى حال.
لا أظن أنهم عائدون لا الآن ولا بعد سنوات، لأنهم رفعوا السلاح فى وجه المصريين هذه المرة وليس فى وجه الدولة فقط، ولأن ذاكرة الأمة موثقة الآن بالصوت والصورة ومحوها مستحيل، فالوقت ليس كأيام الملك التى لا نستطيع أن نرى جرائمهم فيها إلا من خلال مسلسل تليفزيونى يحاول تمثيل ما حدث، ولكن الدرس للقائمين على السلطة ولنا جميعا أن التعامل معهم يحتاج لحنكة كبيرة واستحضار لتجربة الماضى لتحقيق أفضل النتائج للمستقبل وليس للحظة الراهنة فقط.