أثارت ولاتزال اعتصامات ومسيرات المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسى مخاوف وملاحظات ومقترحات كثيرة بداخل مصر وخارجها، ينصب معظمها على جدواها ومآلها وطريقة التعامل معها والنتائج التى يمكن أن توصّل إليها. ولاشك أن الغالبية الساحقة من هذه المخاوف والملاحظات والمقترحات لها وجاهتها، وبخاصة ما يتعلق منها بلا سلمية معظم المسيرات والاعتصامات المؤيدة للرئيس المعزول ومسؤوليتها المباشرة عن إسالة دماء المصريين ما بين شهداء وجرحى وإثارتها للفزع بين عموم الناس وتهديدها الحقيقى لأمن الوطن والمواطنين والاستقرار الذى ينشده الجميع.
ومع ذلك، فإن المتأمل المدقق لما يجرى فى رابعة العدوية منذ ستة أسابيع تقريباً يجد أن المتجمعين بها والمترددين عليها- وغالبيتهم الساحقة من الإسلاميين بمختلف طوائفهم وجماعاتهم- راحوا يتعرضون لتغيرات تبدو جوهرية فى سلوكهم الاحتجاجى أمام كاميرات قنوات الجزيرة المصوبة عليهم أربعاً وعشرين ساعة. فهؤلاء الذين يتسم سلوكهم المعتاد، وبخاصة السلفيون والجهاديون السابقون والحاليون منهم، بالتشدد فى الملبس والمظهر والالتزام بما يعتقدون أنه من أصول الدين، راحوا أمام عدسات الكاميرات ورغبتهم فى مخاطبة الغرب الرسمى والشعبى من خلالها يغيرون من تصرفاتهم وسلوكياتهم التى كانوا دوماً يرون أنها لصيقة بعقيدتهم الصحيحة بالمخالفة لعقائد بقية مواطنيهم المصريين التى كانوا دوماً يصفونها بالمنحرفة.
فمن ناحية راحت الأدوات الموسيقية والشعارات المغناة تنتشر بين معتصمى رابعة، بدءا من المنصة ومروراً بالمحتشدين تحتها، ليبدو المشهد فى شكله الإجمالى خارجاً فى كثير من تفاصيله عن الأحكام الصارمة التى كان من يفعلون مثلها اليوم يروجون بالأمس القريب لتحريمها. ويبدو لافتاً أكثر أن التصفيق والتصفير اللذين كان معظم معتصمى رابعة وشيوخهم يرون أنهما فى أدنى الأحوال مكروهان، خصوصاً للرجال، اعتماداً على تأويلات لآيات قرآنية وأحاديث نبوية، قد باتا ممارسة مستمرة لهم جميعاً على مدار الساعة أمام كاميرات الإعلام وخصوصاً الجزيرة.
وليس هذا فقط، فقد ذهب دعاة التشدد بالأمس القريب إلى أبعد بكثير، حيث انتشر بينهم الغناء الوطنى، بالإضافة إلى الدينى بالطبع، بموسيقاه وكلماته وهم أنفسهم- أو بعضهم- من كان يحرمه تحريماً كاملاً، ويرى بعضهم الأقل أن فيه خروجاً عن العقيدة نفسها. ولم يقف الأمر عند الغناء الوطنى للمطربين الرجال بل وصل لغناء المطربات- مثل أغانى الفنانة الكبيرة شادية- وتجاوز هذا كله ليصل إلى ترديد أغانى عهد يرى فيه الإسلاميون وبخاصة الإخوان أنه عهد الطاغوت وأحياناً الكفر، وهو عهد الزعيم جمال عبدالناصر. ولم يقف الأمر عند كل ما سبق بل ذهب إسلاميو رابعة بمختلف طوائفهم وجماعاتهم إلى أبعد بكثير، بالمخالفة لكل ما كانوا يأمرون به المصريين قبل أسابيع قليلة ويرون أنه من صحيح الدين العقدى، حيث بدا المشهد فى رابعة مختلطاً بين النساء والرجال بين أناس طالما دعا أغلبهم إلى تحريم الاختلاط فى الأماكن الخاصة والعامة.
والاختلاط هنا لا يعنى التداخل بين الرجال والنساء ولكنه- وكما بدا على شاشة الجزيرة وأخواتها- فى تخصيص أماكن للنساء تكاد تلامس أماكن الرجال، بينما راحت الفتيات والسيدات يرفعن أصواتهن بالهتاف والغناء وأيديهن بالتصفيق وراء هاتفين ومغنين من الرجال، وكان كل هذا قبل أيام قليلة يدخل فى باب التحريم عند الغالبية الساحقة من معتصمى رابعة.
كل ما سبق يؤكد أن إسلاميى رابعة فى بحثهم عن العودة للحكم لرئيسهم المعزول قد أسقطوا كثيراً من أحكام الأمس المتشددة فى الاعتقاد والسلوك.