بعد الثلاثين من يونيو، الذى هبط فيه الشعب الميادين للاحتفال المبكر، قبل حتى أن يخلع نظاما.. تعامل الأغلب من المهتمين على أننا انتصرنا.
بدأ الجمع فى اقتسام غنائم نصر لم يتم بعد، فتسمع كبار الأفاقين، مرتزقة كل العصور يسبون البرادعى، ومن شاركوا فى ثورة الثامن والعشرين من يناير، والحقوقيين، والنشطاء والجميع... فقط لوهم ارتضاه البعض بأن النصر قد تم، ولا بد أن يقوموا بحصاد غنائم لم يشاركوا حتى فى تحقيقها. وانزوى من أوصلونا إلى هذه اللحظة، بدمائهم، وأرواحهم، والبقية الباقية من أمل عضوا عليه بالنواجذ خلال عامين ونصف من الثورة. ما أخشاه الآن أن تتكرر مأساة يونيو 67 أو مأساة غزوة أحد، حينما تعامل ضعاف النفوس والمرتزقة فى الحالتين أن النصر تم وأن وقت الغنائم قد حل، فطعنوا الجميع فى ظهورهم، بسبب غباء وجشع وضعف نفوسهم. الآن ما زالت الحرب تدور، بين جميع المعسكرات، إسلاميين، ثوار، مرتزقة، بقايا نظام مبارك، وأصحاب مصالح متعددين، يميلون مع المائلة ويطبلون لكل من يلقى لهم بقروش قليلة، فيقبلون أيادى من ألقى، وأقدام من يتعشمون أنهم تملكوا خزائن الأرض. النصر لم يحدث بعد، والثورة الآن فى استراحة بين موجاتها الكاسرة لكل من يعتقد أنه تملكها، أو استوى على عرش هذا الوطن. المضحك فى الأمر أنهم يتناسون دائما أن سلاحنا الماضى هو الإيمان، وهم لا يستطيعون أن يستنشقوا حتى روائح ذلك الإيمان.. فلا يستقيم المؤمن بديننا والكافر به، كما لا يستوى أعمى الروح ومبصرها. والإيمان لا يحدث دون أن نفتن، دون أن نختبر، وتغيب عن خطواتنا الطريق.. دون أن نقترب من حافة الانكسار، ولا ننكسر، بل ننظر لأسفل مبتسمين أننا لم نضعف ونلقى بأنفسنا من على الحافة، ظانين أننا فى طريقنا إلى النصر. وعد ثورتنا حق، ونحن فى أحلك أوقات الفتن، إن استقمنا أقمنا ثورتنا، وإن انحنت رؤوسنا، انحنت معها ثورتنا.
■ العدل
«وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». «لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ». الأولى نزلت بعد أن انتصر المسلمون فى خيبر، وأتموا انتصارهم، فنهوا عن ظلم المعتدين بعد أن غلبوهم، وسلم خصومهم بالهزيمة. والثانية نزلت بعد صلح ووثيقة الحديبية، وتنهى عن الاعتداء على الخصوم، بعد أن وثقت معهم معاهدة صلح. فالاثنتان جاءتا بعد الانتصار والاتفاق، وفيها نهى عن ظُلمٍ بعد نصر. فالعدل لا يستقيم إلا بعد النصر، أى لا عفو قبل حكم، ولا تسامح قبل أن يقر المذنب بذنبه، فإن لم يقر بذنبه فكيف يعفى عنه، ناهيك بأن المذنبين فى حالتنا، سواء كانوا نظام مبارك، أو الداخلية، أو مجلس طنطاوى العسكرى، وصولا للإسلاميين لم يقروا بذنب، أو يطلبوا حتى الصفح عنه. فالداخلية مستمرة فى تقاعسها -جرائمها، فجرائم التعذيب ما زالت ترتكب فى الأقسام دون محاسبة، وتقاعسها الواضح الدائم ما زال مستمرا والمنيا وأحداثها آخر جرائم تخاذلهم. والمجلس العسكرى، خُلِعَ من حلفائه الإخوان، الذين سلم لهم المجلس مقاليد الأمور منذ استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية، وجرائمه خلال عام من حكمه من قتل وفقء عيون وكشوف عذرية وصولا بإنهاك ست البنات والقائمة لا تنتهى، لم يعتذر عنها ولم يخرج علينا أحد يخبرنا أنهم أخطؤوا ووجب الاعتذار. أما الإسلاميون فقد فاقوا الجميع الآن فهم لم يكتفوا بالقتل والإفساد والحكم على علاقة الإنسان بربه، بل زادوا عليهم الخيانة للوطن، لصالح وهْم أستاذية العالم، الذى أتحفنا به مسيخ القرن الماضى الدجال حسن البنا. ما يحدث الآن هو تغليب الوهم على الحقيقة، هو تغليب ما قد يحدث، على ما هو حادث فعلا، فما قد يحدث هو أن يعترف الإخوان وغيرهم بذنبهم، ويندموا عليه، وعندها نقبل ذلك الاعتراف ويبدأ مسار العدالة، فى أن نقتص أو نعفو، وهو خيار متروك لمدى جرم كل فرد منهم، فمن قاد وحرض وأفسد، وقتل، فلا أفهم العفو أو المصالحة معه، ولا يستقيم ذلك فى عرفى وعرف كثيرين. ما يحدث الآن هو أن كثيرين يتكلمون من نقطة لم نصل إليها بعد، فنجد بيانات مضحكة من البعض، ونجد عنفا ورعونة من البعض الآخر. فبين دعوات المصالحة والقتل، مساحة رمادية كبيرة، لا يلتفت إليها كثيرون، وينساق فى دواماتها الأغلب من شعبنا، ومن أصبحوا حكامه الآن.
■ الآن
نحن الآن فى طريقنا للخروج من رحم الأزمة، مبصرين الضياء، عالمين أن انبعاثنا للحياة اقترب، مدركين بشدة أننا فى طريقنا للانتهاء من أزمة، لكى نحارب من جديد لتثبيت جذورنا فى الأرض الجديدة.
تلك الأرض التى ظن الأفاقون والمرتزقة أنهم ورثوها الآن من أفاقى ومرتزقة الإسلاميين، والتى يظنون أنهم يستطيعون أن يزرعوها خبثا وكراهية. بالثورة آمنّا.. مهما فُتنّا، وبها سننتصر لها ولنا مهما حاول معدومو الموهبة، ومحترفو الصراخ والتخوين أن يبعدونا عنها، مبدلين آيات ثورتنا فى الأرض، بآيات الكراهية والخوف. سنمر من رحم الخوف، وسنستكمل الانتصار.. مهما تأخر. ثورتنا حق، وشهداؤنا حق، ومصابونا حق.. والنصر حق.
فانتصروا.