الحمائم والصقور مصطلحان كانا يطلقان على الحكومة الإسرائيلية فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى. كان بها متشددون من الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة وتكتل الليكود، يطلق عليهم الصقور، وكان بها معتدلون من الأحزاب الشيوعية أو الاشتراكية وبعض شخصيات حزب العمل، ويطلق عليهم الحمائم. وكنا نحن فى الوطن العربى وعن حق نرى أنه لا فرق بين الجناحين، وأن الأمر كله تقسيم أدوار بين الطرفين، وكل جناح له دور ووظيفة. فمنهم من يخاطب العالم الخارجى، ومنهم من يخاطب جماعات الضغط، ومنهم من يخاطب جماعات التطرف الداخلية، وفى النهاية هناك تناغم بين الجناحين، بما يحقق المصلحة العليا لإسرائيل على حساب الحقوق العربية.
ولمن يتذكر، كنا نحن نندب أنفسنا لغياب هذا الوضع، ونرى أن غياب الديمقراطية يحرمنا من أن يكون لنا وضع مناسب نقسم فيه أدورنا لنحقق المكاسب التى نسعى إليها فى مواجهة العالم الخارجى وإسرائيل.
وبعيدا عن كون تقسيم العمل والأدوار هذا ممنهجا، أم انه يعبر عن مواقف مختلفة ومتناقضة، فهو موجود فى كل دول العالم التى تطبق التعددية السياسة، فهناك حكومات ائتلافية يشارك فيها أحزاب متناقضة، وهناك داخل الحزب الواحد أجنحة مختلفة نذكر منها الخلافات الكبرى بين رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر ووزير دفاعها مايكل هيزلتاين والخلافات بين تونى بلير ووزير خارجيته جاك سترو، وفى النهاية يتم الوصل إلى سياسات بناء على توافق بين الأجنحة أو الأحزاب المختلفة، وفقا لقواعد ديمقراطية صارمة.
ومن يتابع الجدل السياسى فى مصر خلال الأسبوع الماضى، فسيجد أننا أصبح لدينا وضع مختلف، بل يمكن أن نقول عليه وضعا شاذا. فمن جهة هناك هجوم حاد على الدكتور محمد البرادعى وبعض رموز الحكم، مثل رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء من قبل ضيوف فى البرامج الحوارية التليفزيونية وبعض مقدمى هذه البرامج، بحجة تهاونهم فى حق مصر وعدم سعيهم لفض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة، فى الوقت الذى لم نر فيه من أى شخصية حكومية أخرى موقفا مختلفا يمكن أن نعتبره صقرا فى مواجهة الحمائم الساعين إلى الحوار والمطالبين بنبذ العنف، خاصة بعد تصريح الدكتور محمد البرادعى بأن الفريق عبدالفتاح السيسى يشاركه موقفه.
وإذا كنا نعرف جميعا خلفية الضيوف ومقدمى البرامج الذين يريدون أن يشعلوها نارا، فإنا نعتقد أن جهات أمنية أو بقايا النظام القديم لا تريد لنا استقرارا، وتريد أن تشعل نار الفتنة بين الأطراف المشاركة فى الثورة، سواء ثورة يناير، أو موجتها الجديدة فى 30 يونيو، من أجل الانقضاض على الثورة وسرقتها من أبنائها.
تستطيع أن تفهم أن يكون لدينا صقور وحمائم فى السلطة، وهو أمر محمود، لأنه يمكن توظيف الاختلافات فيما بينهما من أجل تحقيق مكاسب للصالح العام، ولكن أن تصبح الحكومة كلها من الحمائم، وفقا لوجهة نظر البرامج الحوارية وبعض الصحفيين وبما يبدو خطا أن المجتمع كله من الصقور فى مواجهة سلطة من الحمائم، فان ذلك معناه من دون لبس هو رفع الغطاء الشعبى عن السلطة الحاكمة وتعريتها فى مواجهة الداخل والخارج، الأمر الذى يصب فى النهاية لمصلحة جماعة الإخوان التى يزيد تماسكها يوما بعد يوم، بما يصعّب من جهود عزلها وتهميشها سياسيا، ويصعّب من عملية مواجهة محاولاتها إحلال الفوضى من قبل أجهزة الأمن، وهذا الأمر يجب أن يعيه جيدا الذين يصبون الزيت على النار، فى الوقت الراهن من مقدمى البرامج وضيوفهم.
أفهم أن يكون لدينا اختلافات فى وجهات النظر، وأن تكون لدينا رؤى مختلفة حول إدارة الصراع مع الإخوان، وإدارة المرحلة الانتقالية، ولكن لا بد من الإدارة الحضارية لهذه الاختلافات بعيدا عن «الضرب تحت الحزام» الذى يحدث حاليا والذى تكثف فى الأسبوع الماضى، والذى يمكن أن يؤدى إلى خسارتنا للثورة والعودة بنا إلى الوراء، سواء إلى الفاشية الدينية أو إلى الدولة الأمنية أو إلى الحكم العسكرى المباشر. وإدارة الاختلافات وتوظيفها لصالح الموقف المصرى فى مواجهة محاولات خارجية تريد فرض تصورات على مصر، فى مقدمتها عدم محاكمة رموز جماعة الإخوان المتهمين فى قضايا جنائية أو أن يكون لهم دور فى إدارة العملية الانتقالية هى ضمان لاستمرار تماسك السلطة الحاكمة حاليا، لأن أى انهيار لها يمكن أن يؤدى إلى نتائج غير طيبة.