فى يوليو 1972 استدعى الرئيس السادات السفير السوفيتى فى القاهرة، وأبلغه بقراره طرد أكثر من خمسة عشر ألف خبير عسكرى. كانت العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى، عهد ذاك، علاقات استراتيجية: السوفيت هم مورد السلاح الأول والأكبر للمصريين الذين كانوا يستعدون وقتها لحرب تحرير سيناء. قبل عام على ذلك القرار كان هناك صراع داخلى على السلطة بين رفاق عبدالناصر، حسم أنور السادات الصراع، وغَيَّبت السجون عددا من أهم المسؤولين التنفيذيين وقتها.
وفد سوفيتى رفيع زار مصر، للوساطة بين الأجنحة المتصارعة، لم ينجح، وترك لدى السادات شعورا بأن الأصدقاء السوفيت منحازون إلى خصومه فى الصراع. انتظر عاما كاملا، قبل أن يقوم بما سماه «وقفة مع الصديق».
بعد أسبوع واحد، أرسل السادات عزيز صدقى على رأس وفد رفيع المستوى إلى السوفيت، ولدهشة الجميع، فإن العلاقات السوفيتية المصرية لم تتأثر، وإنما تنامت حتى انتصر المصريون فى أكتوبر 1973. فى كثير من الأحيان تكون المصارحة أهم بكثير من محاولة التعتيم على الحقائق، وفى ظنى أن الولايات المتحدة تجاوزت كل الحدود والأعراف الدبلوماسية فى التعامل مع الأزمة المصرية. أفهم تماما أن وجود الإخوان المسلمين فى السلطة يساهم فى تبريد الاندفاع نحو صدام مسلح إسرائيلى - فلسطينى، وأقدر تماما رغبة الولايات المتحدة وأوروبا فى التخلص من عبء التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وإشغالها بلعبة الحكم فى بلدانها الأصلية.
لكننى لا أفهم كيف تسمح الولايات المتحدة بأن يطالب مبعوثوها بتعطيل النظام القضائى، ووقف الملاحقة الجنائية للمتهمين من جماعة الإخوان بدلا من أن يطالبوا بمحاكمة عادلة لهم؟ كيف يجرؤ مسؤول أمريكى، رفيع، على التهديد بقطع المعونة العسكرية عن مصر، على الرغم من ضآلتها؟ كيف ستتصرف حكومة الولايات المتحدة حيال اعتصام الإخوان، لو كان هذا الاعتصام فى قلب واشنطن؟ هل تسمح بقطع الطرق، وترويع الآمنين فى مساكنهم؟ هل تعتبر أن مَن يقوم بذلك فصيل سياسى يريد أن يكون طرفا فى عملية مصالحة كبرى؟ كيف كانت القوى السياسية هناك ستتصرف لو قام الرئيس أوباما بإصدار إعلان دستورى غاشم كإعلان مرسى الذى حصن قراراته من رقابة القضاء، وجعل من نفسه الفرعون الإله؟ كيف تريدنا أمريكا أن نتصرف حيال الإخوان المسلمين وتابعيهم الذين يروعون الأقباط فى مدن مصر وقراها، لمجرد أن هؤلاء الأقباط تظاهروا مع إخوانهم المسلمين، لإسقاط الفرعون الإخوانى الجديد؟ لن نسمح بأن تكون مقاليد الحكم فى مصر حكرا على تيار سياسى واحد، حتى لو غضبت الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك.
«وقفة مع الصديق الأمريكى» أصبحت مطلوبة، والخطوة الأولى فيها هى الاعتذار بأدب عن قبول «المعونة العسكرية والمدنية»، واعتبار السفيرة الأمريكية شخصا غير مرغوب فيه. ربما يعرف الأمريكيون، ساعتئذ، أن مصر قادرة على تخطى مشكلة الانقسام السياسى بنفسها وبأدواتها، ودون الاحتياج إلى صديق يمكن أن يكون - مع افتراض حسن النية - الدب الذى يقتل صاحبه.