فى ختام لقاءاتهما الرسمية فى القاهرة عقد عضوا مجلس الشيوخ الأمريكى جون ماكين وجراهام مؤتمرًا صحفيًّا فى حديقة السفارة الأمريكية بالقاهرة، تحدث كل منهما لدقائق ثم فتحا المجال لتلقِّى أسئلة من الإعلاميين. بدأ السيناتور جون ماكين الحديث مؤكدًا أن ما وقع فى مصر هو انقلاب عسكرى وأن الرئيس المنتخَب فى انتخابات حرة نزيهة موجود فى السجن، ومن يحكم الآن غير منتخَب، طالب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين والتحاور معهم. وفى نهاية كلمته لوّح السيناتور ماكين بفرض عقوبات على مصر تتجاوز مسألة تأجيل تسليم الطائرات الأربع من طراز «F 16»، إلى التبادل التجارى والاستثمارات الأمريكية فى مصر. ولم يختلف السيد جراهام كثيرا فى كلامه عما ذهب إليه السيد ماكين، الرسالة باختصار هى ضرورة إعادة جماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسى مجددا، إخراج معتقليهم من السجون والجلوس معهم على مائدة المفاوضات وإلا فإن واشنطن ستفرض عقوبات متنوعة على مصر. ما جاء فى المؤتمر من قِبَل عضوَى مجلس الشيوخ الأمريكى مثّل إهانة شديدة لمصر والمصريين، وانطوى على تجاوز شديد بحق مصر والشعب المصرى، وفى تقديرى أن مثل هذا المؤتمر لا يُعقَد إلا فى عاصمة تحت الاحتلال الأمريكى كبغداد بعد الغزو والاحتلال عام ٢٠٠٣، أو فى عاصمة دولة فاشلة لا تسيطر حكومتها إلا على أجزاء منها كالصومال، أما فى دولة حرة مستقلة فلا يُتصور عقد مثل هذا المؤتمر وصدور مثل هذه التصريحات.
وفى تقديرى أن صدور مثل هذه التصريحات المتجاوزة بحق مصر والمصريين من عضوى مجلس الشيوخ الأمريكى جاء نتيجة منطقية وطبيعية لحملة استباحة مصر من قِبَل دبلوماسيين عرب وأجانب تحت دعاوى الاطمئنان على محمد مرسى، وبذل جهود وساطة بين النظام وجماعة الإخوان، والاستعانة بأطراف لها علاقات جيدة بجماعة الإخوان لحثها على فض الاعتصامات والدخول فى مفاوضات مع النظام. من سمح بمثل هذه الزيارات واللاتصالات ارتكب جريمة بحق مصر كدولة والمصريين كشعب، فقد بدأت حفلة التنازلات والتفريط فى كرامة مصر والمسّ بسيادتها بالموافقة للسيدة آشتون على زيارة محمد مرسى والجلوس معه لمدة ساعتين اطمأنت خلالهما على كل ما يخصّ الدكتور محمد مرسى بما فى ذلك «توافر الطعام فى الثلاجة». مَن الذى سمح لها بهذه الزيارة؟ وما مبررات ذلك؟ كان منطقيًّا أن تبدأ سلسلة مطالب بزيارة مرسى وقادة الجماعة فى السجون، فطلب وفد الاتحاد الإفريقى زيارة مرسى وكان له ما أراد، ثم طلب وزير الخارجية الألمانى نفس الطلب، أراد لقاء مرسى داخل محبسه، فرُفض طلبه، ثم بدأت بعد ذلك حفلة الوساطات، فجاء مساعد وزير الخارجية الأمريكية ويليام بيرنز، ثم المبعوث الأوروبى لجنوب المتوسط برناردينو ليون، ومن بعده وزير الخارجية الإماراتى ثم القطرى، وبدأ الجميع فى التحرك تحت عنوان لعب دور وساطة بين طرفَى الأزمة، النظام والجماعة. زاروا خيرت الشاطر فى سجنه الساعة الثانية عشرة، منتصف الليل، وبعضهم زار فى اليوم التالى رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتنى فى محبسه، وهكذا بدا المشهد مأساويًّا وغير مسبوق، دبلوماسيون عرب وأجانب يقومون بجولات مكوكية بين مقارّ الحكم والسجون للتوسُّط بين حكم جاء على خلفية ثورة شعبية ورموز نظام أطاح به الشعب وزج به فى السجون. هكذا هانت مصر على مكوِّنات النظام الحالى بحيث يقبلون بدور وساطة قطرى، وزير خارجية قطر فى القاهرة للمساعدة فى حل ما رُوج على أنه أزمة بين أطراف مصرية عجزت عن التواصل فجاءها القطرى ليصل بينها. من الذى سمح بذلك ووافق على هذه الزيارات والوساطات؟ مَن وافق على ذلك هو المسؤول عن إهانة مصر والمصريين، من وافق على ذلك يتحمل مسؤولية الإهانات التى وجهها الأخوان ماكين وجراهام إلى مصر والمصريين.
فى تقديرى بات ضروريًّا إنهاء حفل الوساطات وزيارات منتصف الليل للسجون وبدء عمل الدولة المصرية سريعًا، نريد رؤية الدولة قويّة عفيّة تبسط سيطرتها على أراضيها وتقوّى مناعتها فى مواجهة الثعالب كبيرها وصغيرها، لا سيما وأن صغيرها أكثر قدرة على إفساد كرومها. مصر يا سادة دولة إقليمية رئيسية فلا تهينوها واعرفوا قدرها وحجمها ووزنها وقيمتها، ادرسوا تاريخ مصر جيدًا وشبكة العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية، وأعيدوا ترتيبها وترتيب الأولويات فقط، وسوف يغلق الأخوان ماكين وجراهام وغيرهما من أعضاء الكونجرس وأطراف الإدارة أفواههم ولا يعودون ينطقون بمثل ما نطقوا به فى حديقة سفارتهم بالقاهرة ولا يجرؤون على ترشيح سفير متخصص فى إشعال الحروب الأهلية كى يَخْلُف سفيرة قضت جل وقتها فى مكتب الإرشاد ومكاتب قادة الجماعة.