ثمة عوارض جرت فى الفترة الماضية تثير القلق على مستقبل مرفق العدالة فى مصر سواء قضاؤه الجالس متمثلا فى المؤسسة القضائية أو قضاؤه الواقف متمثلا فى نقابة المحامين. والحقيقة كثير مما جرى فى الشهور الماضية يفوق الخيال ويمثل تراجعا فى منظومة الأخلاق والمروءة التى اشتهر بها المواطن المصرى وهو ما يتطلب من علماء الاجتماع أن يبحثوا مليا فى أسباب هذا التراجع.. التراجع الحاد الذى أتابعه بألم وأسى فى أوساط المدافعين عن حريات المواطنين وتضمهم قلعة الحريات فى مصر وأعنى بالضرورة نقابة المحامين وهى التى علمت الأجيال كيف يكون التجرد فى الدفاع عن أصحاب الرأى وسجناء الكلمة أيا كان انتماؤهم أو قناعاتهم السياسية والأيديولوجية.
كان «أحمد الخواجة» نقيبا للمحامين وله قناعاته الشخصية التى تتمحور فى خلفية وفدية واندماج مع التجربة الناصرية، وبالرغم من ذلك عرف عنه قيامه بواجباته النقابية مؤازرا خصومه الألداء عند تعرضهم للقمع والاعتقال من السلطة، ومنذ غيب الموت «الخواجة» غابت هذه القيم التى ورثناها من رموز سبقت الخواجة حتى وصلت إليه، قيم الدفاع عن المتهمين فى قضايا الرأى والمعتقلين أو المتهمين الذين تقيد حريتهم بسبب أفكارهم أو توجهاتهم السياسية المعارضة للسلطة، وهذا هو المعنى الذى توخاه المشرع عندما نص فى قانون المحاماة فى صدارته أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة.
«والعبد لله» اختلف كثيرا مع النقيب الجليل أحمد الخواجة غير أنه كان فى ظهرى فى كل مرة تعرضت فيها للاعتقال بسبب «قناعاتى السياسية» أو «أفكارى» أو «مهنتى فى الدفاع عن الجماعات الإسلامية» وفعل ذلك مع غيرى من مختلف الانتماءات السياسية.
غير أنى استغربت موقف نقابة المحامين وهى تصمت صمتا مريبا إزاء تغول السلطة الحالية على خصومها السياسيين من التيار الإسلامى الذين تم اتخاذ إجراءات معيبة ضدهم فور إعلان الفريق عبدالفتاح السيسى خارطة الطريق فى الثالث من يوليو، وكانت نقابة المحامين دوما ظهير السجين السياسى فى محنته تقف معه تدافع عنه وتناصره طيلة فترة اعتقاله، غير أن موقفها يزداد ريبة إزاء صمتها على اعتقال وحبس ثلة من رموزها الوطنيين مثل الأساتذة عبدالمنعم عبدالمقصود وعصام سلطان وحازم أبواسماعيل ومحمد العمدة، وإذا كان الموقف من الثلاثة الأواخر نتيجة مباشرة لمواقفهم السياسية المناوئة للسلطة الحالية، فإن عبدالمقصود لم يعرف عنه يوما التورط فى مواقف سياسية غير كونه المحامى الأبرز لجماعة الإخوان المسلمين، لم يعرف عن الرجل أنه معنى بدور سياسى أو تنظيمى لهذه الحركة العتيقة، غير أنه مدافع صلد عن كل من يتم القبض عليه أو اعتقاله من الإخوان، وهو ما يمكن تفهمه بالنسبة لجماعة كبيرة يتم التربص بها والنيل منها بصورة دائمة.
والذى يعرف «عبدالمقصود» يعرف أدبه الجم وأخلاقه الكريمة واحترامه للجميع حتى من يعارضونه الرأى الذين لا يملكون إلا حبه وتقديره، واللافت أن اعتقال الرجل جرى أثناء وبسبب أدائه لواجبه المهنى حينما ذهب لحضور التحقيقات مع موكليه الدكتور سعد الكتاتنى والدكتور أشرف البيومى بسجن طرة، فإذا بهم يخبرونه بأنه بمراجعة كشوف المطلوبين أمنيا تبين وجود اسمه وهكذا سيق إلى زنزانته بجوار موكليه!! هل رأينا فى الدنيا مثالا لما جرى؟! وإذا كان النعى على رجال السلطة العامة الذين دبجوا تقريرا أمنيا يتهم «عبدالمقصود» باشتراكه فى تشكيل عصابى مهمته سرقة المساكن بمنطقة بين السرايات المجاورة لمكان اعتصام «النهضة»!! فإن النعى على موقف أعضاء النيابة العامة فى مسايرة هذا التقرير المفضوح والترخيص بضبطه وحبسه.
لقد اعترضت على موقف «النقابة» حينما تشرفت بعضوية مجلسها من تجاهل الدفاع عن رموز آخرين حينما تم اتخاذ مواقف بحقهم من السلطة أيضا مثل مرتضى منصور أو أيمن نور أو طلعت السادات رحمه الله وقمت بدورى فى الدفاع عنهم ومؤازرتهم ومناصرتهم من خلال لجنة الحريات التى شرفت برئاستها حتى فرج الله كربهم. والغريب أنه إذا كان موقف «نقيب المحامين» مفهوما، لكن أغلبية مجلس نقابة المحامين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين وهو ما لا أجد له مبررا من خذلان المحامين المحبوسين، بل هناك من أعضاء المجلس من غير المنتمين للإخوان يعرف عنهم جرأتهم ووطنيتهم لا أجد مبررا أيضا لصمتهم. أما قرار مجلس القضاء الأعلى بالتحقيق مع «75» قاضيا لأنهم أعربوا عن موقفهم من التمسك بالشرعية فهو ما يحتاج لتفصيل عميق لأن الكثير مما جرى داخل هذه المؤسسة القديرة يحتاج لدراسة وتحليل ونحن نستعرض آفاق المستقبل فى إطار الحرص على استمرار احترام المؤسسة القضائية وهيبتها فى عيون الناس، فمن غير المقبول أن يتم تمرير حضور رئيس مجلس القضاء الأعلى لبيان القائد الأعلى للقوات المسلحة بعزل الرئيس الشرعى المنتخب رغم أن هذا دور سياسى محض، وإذا كان مفهوم حضور بقية من حضر، لكن كان حضور المستشار الجليل رئيس مجلس القضاء الأعلى – هكذا رأيته على شاشة التلفاز – غير مبرر بينما يعد بيان القضاة المدافعين عن الشرعية أداء لدور سياسى.. وللحديث بقية