أفردت الدولة الحبل على الغارب أمام مبادرات الداخل ووساطات الخارج.
الدولة فعلت ذلك ظناً أن الحبل سيلتف فى النهاية على رقبة الخونة والعملاء. الدولة تريد أن تستنفد كل الطرق السلمية، وتُشهد الداخل والخارج على جماعة الخسة والعمالة، وعلى سعى الخونة لإغراق مصر فى بحيرة دماء.
يمكن أن أتفهم موقف الدولة، لكن على أى شىء تطلق المبادرات وتتعدد الوساطات؟ وكيف يمكن أن يكون مقبولاً زيارة «سفاح» فى سجنه لكى يوافق أو يرفض أو حتى يناقش مبادرات خارجية؟
تأتى الوفود الأجنبية كأنها تزور دويلات متعاركة. تلتقى رجال الدولة، والمساجين أيضاً. تلتقى الرئيس المؤقت، والرئيس المعزول أيضاً، تلتقى «حركات» و«جماعات»، تزور المنصات والسجون أيضاً. أى دولة تلك التى تسمح بأن يجرى هذا على أرضها؟ أى دولة تلك التى تجعل وحدتها محل شك وكلمتها محل تأويل ودورها محل «عصير»؟
الأمور واضحة ولا لبس فيها: «خارطة المستقبل» تسير فى طريقها الصحيح والشعب منحها ثقته بالخروج يوم ٢٦ يوليو. مقابل ذلك توجد عصابة إرهابية مسلحة ومعظم قادتها هاربون من العدالة.
ثلاثة سيناريوهات أمام جماعة «الإخوان»:
الأول أن يتم القبول بواحدة من المبادرات التى يطرحها أتباع الجماعة بـ«الانتساب» كالعوا وأبوالفتوح ومكى ومن على شاكلتهم. واحدة من تلك المبادرات تطالب بالعمل بعودة الدستور المعطل للعمل، وتلك مبادرة فيها الكثير من الخبث ومحاولة استعادة بعض من دولة «الجماعة». هذه المبادرة تقر بالواقع السياسى الحالى، لكنها تعيد الروح لدستور كان سبباً رئيسياً فى الثورة ضد مرسى، وإذا عاد الدستور عاد مَنْ حصَّنهم الدستور مثل مجلس الشورى والنائب العام المعزول بحكم قضائى. مبادرة أخرى لا تقل خباثة وتدعو إلى الاستفتاء على «خارطة المستقبل» التى قدمها الجيش بموافقة كل مؤسسات الدولة وفى مقدمتها الأزهر والكنيسة. هذه المبادرة تعنى عدم الاعترف بما جرى فى ٣٠ يونيو، وبالتالى ينبغى استفتاء الشعب على كل ما ترتب على بيان ٣ يوليو، الأمر الذى يعنى تعطيل «خارطة المستقبل» لحين موافقة الشعب عليها.
السيناريو الثانى أن تظل الاعتصامات مستمرة بما يخلق وضعاً قريباً من الوضع اليمنى، بحيث يخرج مرسى وتحوله الجماعة من «خائن» إلى «مناضل» وربما تعلن تنصيبه أميراً أو قائداً لمجلس الحرب، أو تخوض به عملية سياسية جديدة وهذا أضعف الإيمان.
السيناريو الثالث هو الأقرب إلى عقل وفكر الجماعة، وهو سيناريو سوريا رغم صعوبته. الجماعة تراهن على حماس ودعمها فى سيناء، وخلق وضع ضاغط على الدولة المصرية من خلال سيناء. تعتمد الجماعة اجتماع كل جماعات العنف المسلح فى مختلف بلدان العالم تحت رايتها والعمل تحت إمرتها. طبعاً رأينا كيف كسرت السجون فى ثلاث دول فى وقت واحد تقريباً بعد فتوى القرضاوى «مفتى الناتو» عن توجيه الجهاد لمصر. الجماعة رصدت كل إمكاناتها المادية وعلاقاتها الدولية من أجل هذه المعركة، وقد وقر فى قلب الجماعة ووجدانها أن وجودها مرتهن بمعركة كبرى مدعومة صهيونياً وأمريكياً. الجماعة تسعى بكل طاقتها لهذا السيناريو وتركها تهرب أسلحتها وتحشد كثيراً من المخدوعين يحقق لها جانباً من هذا السيناريو. وإذا كنت لا ترى الجماعة ساعية لإراقة الدماء فماذا تريد؟ الجماعة تعلم يقيناً أن مرسى لن يعود إلا خلف القضبان، وأن أى حل لن يكون إلا وفقاً لخارطة المستقبل.
أكره الدماء حين تسيل. أكره المحبين لرؤية الدماء. أعرف أن كثيراً من الأمم والزعماء والعصابات شيدوا مجدهم على تدفق الدماء. أظن أن الفطرة تعاف رؤية الدماء، وأن البشر الأسوياء تعاف أنفسهم مناظر القتل. الجماعة شيدت تاريخها على كثير من دماء المخالفين وأخرجت من فكرها كل جماعات القتل والتدمير. جماعة أضرت الإسلام كما لم تضره جماعة طوال تاريخه عبر تصدير صورة سيئة عن الإسلام. الجماعة تعلم أنها خطفت الدولة فى لحظة ما وأن أمرها انكشف وتعلم أنها لن تعود لهذا الأمر مرة أخرى وترهن بقاءها بوجود دماء كثيرة. الجماعة حتى الآن هى التى تقرر متى تسيل الدماء ومتى لا تسيل ومن يتابع تصريحات «صفوت حجازى» مثلاً يعرف ذلك، فلن ننسى له تصريحاته عن الحدث الجلل يوم السبت لكى يخرج مرسى يوم الأحد، فتسيل الدماء أمام المنصة، وتصريحه عن وجود «مرسى» داخل دار الحرس الجمهورى، وأن الجماعة ستخرجه، فكانت النتيجة كما نعرفها.
نحن الآن أمام تجمعات مسلحة، يختبئ فيها مجرمون وقتلة ومحرضون. تجمعات تمارس شتى أنواع الجرائم، وفضها بات ضرورة حتمية، فلماذا نحاور ونناور ونعطى مصاصى الدماء فرصة لتحقيق مأربهم؟