طالعت مقالة للأديب جمال الغيطاني بجريدة الأخبار بتاريخ الثلاثاء السادس من أغسطس يتحدث فيها عن الدكتور محمد البرادعي يطريقة مثيرة للإشمئزاز ... في البداية أنا أحد المعجبين بأعمال الكاتب الكبير جمال الغيطاني ، وأنا ايضا أحد المعجبين بالدكتور البرادعي وأثمن دائما مواقفه وانحيازه للحق ، وعندما قرأت ما كتبه الغيطاني عن الدكتور البرادعي لا أنكر أني أصبت بالغثيان وأحسست بخيبة الأمل بسبب سلوك قامة أدبية كبيرة مثل جمال الغيطاني مسلكا لا يليق إلا بصحفيي الجرائد الصفراء أو أصحاب الأقلام المغمورة الذين يبغون شهرة أو ارتقاء سريعا ... ، وبالرغم من حداثة سني بالنسبة إليه فأنا لا أحب أن أسلك مسلكه ولا أن أدلس علي عموم الناس ولا أنزل الشائعات المغرضة مني بمنزلة الحقائق التي لا مراء فيها لأن هذا سلوك يليق بمخبري نظام مبارك وأقلامه ولن أسأله مثلا : وماذا عن رواية زبيبة والملك التي اتهمت بكتابتها لتذيل بتوقيع صدام حسين باعتباره مؤلفها ؟؟
ولكني سأكتفي بأن أفند بعض ما ردده من أكاذيب عن الدكتور محمد البرادعي عله يعتذر عنها :
يتحدث الغيطاني عن البرادعي باعتباره مهاجر ترك بلاده ورحل في حين أن الغيطاني يعلم تمام العلم أن البرادعي موظف دبلوماسي استقال من وزارة الخارجية بعد حوالي عشرين سنة من العمل بها احتجاجا علي بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد المهينة ، ويتحدث الغيطاني عن البرادعي بقوله "خرج من مصر عام 1978 ولم يعد إليها إلا عام 2009 و لن أتحدث عن دوره خلال هذه السنوات وعلاقاته التي دفعت صعوده في إحدي منظمات الأمم المتحدة، خاصة ان وجوده ارتبط بتطورات مهمة انتهت بتدمير بلد عربي مركزي بحجة وجود مشروع نووي" وحقيقة الأمر أني مندهش من مدي سطحية العبارة ومدي سطحية منطق قائلها متسائلا : أي نوع من العلاقات هذا الذي يجعل من الشخص مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية ؟؟ أنا أقول لك إن الموضوع مرتبط بالسيرة المهنية والسمعة الدولية التي يمكن أن يكتسبها شخص دبلوماسي عمل مساعدا لوزير الخارجية ومسئولا عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث و أستاذا زائرا للقانون الدولي بعدة جامعات مرموقة ، واقول لك أن صاحب هذا المنصب يحصل عليه بالتصويت وعدة عوامل أخري ليس من بينها أنك لا تحبه ، وفي مقاله يخطئ الغيطاني الخطأ التاريخي المعهود متخيلا أن العالم لم تعد له ذاكرة متطورة للغاية تدعي ( اليوتيوب) وعليها تسجيلا كاملا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود أسلحة نووية من عدمه في العراق كان يتلوه البرادعي بصفته قائلا : "There is no indication of resume Nuclear activities in those buildings that were identified through satellite imagery" ويمكن للأستاذ جمال الغيطاني أن يضع تلك الجملة علي أي موقع للترجمة من الإنجليزية للعربية ليعلم أن البرادعي نفي تماما وجود أية أدلة علي وجود أي أنشطة نووية بالعراق ، وأنه ليس سببا في تدمير العراق وأن السبب في تدمير العراق هو معشوقه الأحمق صدام حسين وباقة من حكام المنطقة العربية لا أعلم هل سقطوا من ذاكرة الغيطاني سهوا أم ماذا ؟؟ منهم من سمح بعبور البوارج الأمريكية من قناة السويس وقبض علي العشرات من المتظاهرين الرافضين للحرب علي العراق ومنهم من سمح للقوات الأمريكية بأن يكون لها قواعد علي أراضي بلاده ومنهم من شارك بجزء من جيشه ... ثم يستطرد الغيطاني في أكذوبته ولا أسميها مقاله قائلا عن البرادعي : "بينما لم يتخذ موقفا صارما من أهم دولة نووية في الشرق الأوسط، إسرائيل " وهنا أريد أن ألفت عنايته إلي عنوان ما نشر في جريدة جيروزاليم بوست بتاريخ 26 أغسطس 2012 من أن علاقة إسرائيل بالوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تحسنت بعد "رحيل" محمد البرادعي ، وأدعوه أيضا إلي أن يحاول البحث والقراءة ولو قليلا عن الحرب الضروس التي خاضتها إدارة بوش لعدم تولي البرادعي لفترة ثانية كمدير عام للوكالة ، وأما عن سخرية الغيطاني من هيئة البرادعي فهو قول لا يرد عليه إلا بشطر من بيت الشاعر العربي : " ليتها عيرتني بما هو عار " ،
ونأتي لمربط الفرس في مقالة الغيطاني عن البرادعي : هو يعيب عليه سعيه لإجراء مصالحة وطنية ويجد ذلك دربا من الخيانة وهنا يتجلي الفارق بين رؤية البرادعي للأمور ورؤية الغيطاني لها ومدي سطحية رؤية الأخير ، وأنصح الكاتب الكبير جمال الغيطاني أن يحاول أن يقرأ تجارب بعض الدول في هذا الشأن وأن العنف والقمع والقهر ليسوا سبيلا للتخلص من الأفكار الهدامة وإلا بم تفسر وجود الخوارج منذ زمن الإمام علي كرم الله وجهه وحتي يومنا هذا ؟
إقرأ عن تجارب بعض الدول الأفريقية ودول شرق أوروبا واقرأ ولو شيئا يسيرا عما يسمي بالعدالة الإنتقالية ، وتذكر أن البرادعي قال بحصر اللفظ في لقائه منذ أيام علي قناة الحياة : ( من أخطأ لابد أن يحاكم ونحن لا نسعي إلي عدالة انتقامية أو انتقائية ) ، ويمكنك أيضا تتبع تصريحات البرادعي عن ضرورة نبذ أتباع تيار الإسلام السياسي للعنف وموقفه منهم طيلة العام المنصرم ، وكنت أتمني أن يكون للغيطاني أيضا موقفا عقلانيا أو اقتراحا بديلا لما يرتئيه الدكتور البرادعي أو نقدا له ، بدلا من محاولة تشويه الرجل بهذه الطريقة البائسة ودق طبول الحرب بمنطق مطربي المهرجانات الشعبية
ويتساءل الغيطاني عن سر المكانة التي يتمتع بها البرادعي وموقعه المتقدم من ثورة يناير مستكثرا عليه ذلك محاولا الصيد في المياه العكرة بطريقة الزيني بركات الذي يبدو أنه تلبسه أثناء كتابة مقاله عن البرادعي قائلا:" يتساءل الدكتور جلال أمين عن صمت النظام ازاء تصريحات البرادعي وأسفاره متحررا من أي رقابة أو اجراءات استثنائية، بينما كانت أقل حركة لجورج اسحق تدفع به إلي السجن، جورج اسحق مؤسس حركة كفاية، المناضل بحق، البسيط، الطاهر، لماذا لم يحتل موقعا متقدما في قيادات ثورة يناير؟، هل لأنه جورج؟" هل هذه معلوماتك ؟؟ هل كنت تعلم أن نظاما سياسيا كائنا من كان يستطيع تقييد حركة شخص بمثل تلك السمعة الدولية أو أنه يمكن لدولة أن تمنعه من دخول أراضيها ؟؟ هل هذه هي طريقتك في التفكير ؟؟ و ما قولك في أن جورج إسحق هو عضو في الهيئة العليا لحزب الدستور الذي يرأسه البرادعي ، وأنه طيلة الوقت يثمن مواقف الرجل وينحاز إليها بمنطق وعقلية المناضل وليس بعقلية الزيني بركات ؟؟ وأن شباب تمرد الذين تتملقهم هم من رشحوا البرادعي لمنصبه وخاضوا معركة من أجل ذلك ، ويمكنك أيضا أن تسأل تلامذة الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله ، الذين استكملوا طريقهم وطريق العظيم عبدالوهاب المسيري بصحبة البرادعي
نهاية أقول لك إن البرادعي لا يطرح أفكارا ذات قيمة لك إذا كانت تلك طريقتك في التفكير وإذا كنت تحصل علي معلوماتك من مصادر مضحكة وإذا كنت ممن يرمون الناس بالباطل والأكاذيب ولم أكن أحسبك كذلك وأنت من أنت في عيون جيلنا الذي (احتل البرادعي قبولا خاصا عنده) ، حين جبن معظم أبناء جيله أو سابقيه وأحسبك منهم ، حين صمتوا عن الظلم واتجهوا إلي التصوف ، حين كسروا مجاديفنا بانهزاميتهم ، حين قال بعضهم عنا شوية عيال ، حين رفض صنع الله ابراهيم جائزة الدولة التقديرية من نظام مبارك وقبلها غيره ، حين ضحي من هم مثل البرادعي بما تبقي لهم من حياة رغدة وعاد إلي مصر بقامته الدولية وسمعته النظيفة التي لم تنجح أعتي أنظمة العالم (الولايات المتحدة) في تشويهها ، عاد ليلقي حجرا في المياه الراكدة لتستحيل أمواجا متتابعة هادرة ضد ظلم مبارك ومن تبعه وليقبل أن يكون رأس حربة في وجه هذا النظام الفاسد لا أحد تابعيه أو المستكينين له ، حينها احتل البرادعي قبولا عندنا .