لو أصدرنا قرارًا بمنع عرض المسلسلات التركية هل نشعر بعدها بارتياح لأننا نجحنا فى كسر أنف رجب طيب أردوغان؟ نعيد صياغة السؤال هل نملك وسائل عملية لمنع انتشار المسلسلات التركية؟ سؤال ثان لو أوقفنا إشارة بث الجزيرة وأغلقنا مكتبها فى القاهرة وسودنا شاشة جزيرة مباشر سوف ينتهى تمامًا أعراض الصداع الذى تسببه لنا هاتان القناتان، نعيد صياغة السؤال هل من الممكن عمليا إلغاء البث؟ نعم، تستطيع غلق مكتب الجزيرة، ومن الممكن أن تقنع عددًا من القنوات التليفزيونية المصرية بالتوقف عن استيراد التركى على اعتبار أن «جحا أولى بلحم طوره» إلا أنك فى ظل تعدد أقمار البث الفضائى من المستحيل هندسيًّا أن تضمن اختفاء «الجزيرة» والقضاء نهائيا على «مهند وفاطمة».
أسوأ ما فى دعوة بالمصادرة هو أن نرى عددًا من كبار الكتاب ورجال السياسة وهم يباركونها، نعم الجزيرة غير محايدة ولنا عليها العديد من التحفظات، لكن هذا الانحياز نفسه متهمة به قنوات مثل «البى بى سى» و«سى إن إن» و«الحرة» وغيرها، فهل نصادر أيضا هذه القنوات، هل الإعلام المصرى الخاص محايد تمامًا أم أنه صار طرفًا فى المعادلة؟ يقولون إن الجزيرة مباشر تتدخل فى الشأن المصرى وهذا اختراق للسيادة، ألم تلاحظوا أن «إم بى سى» قبل عام أنشأت قناة تليفزيزنية تحمل اسم «إم بى سى مصر» متخصصة فقط فى الشأن المصرى وأن قناة العربية تقدم برنامجًا يوميًّا على مدى ساعتين عن مصر، هل شرط الموافقة هو أن تٌقدم هذه القنوات ما نراه نحن محايدًا، مصر دولة محورية، الحدث المصرى سياسيًّا وثقافيًّا وفنيًّا يستحوذ على الاهتمام ويسرق الكاميرا، وهذا الأمر ليس متعلقًا فقط بالحالة الراهنة، لكنها مصر.
هناك رغبة شعبية من الممكن الاستناد إليها فى المصادرة، وبالفعل فى 30 يونيو وبعدها هتف المتظاهرون مطالبين بإغلاق «الجزيرة» كما هتفوا ضد تركيا وعدد من الزملاء، بل دعنى أقول القسط الوافر منهم لديهم أيضا نفس الرغبة، ولو عدت إلى زمن مبارك ستكتشف أن الجزيرة كانت هدفًا للنظام والعديد من الأقلام والأفلام نعتتها بالحقيرة والخنزيرة وغيرها من الصفات، كان النظام المباركى يعتبرها مهددة لاستقراره فى أثناء ثورة 25 يناير تعرضت أكثر من مرة لإلغاء إشارة البث.
الآن لدينا أسبابنا فى الإغلاق فهى منحازة لأهل «رابعة»، ألم تلاحظوا أن وزير الخارجية القطرى يلعب الآن دورًَا مع قيادات الإخوان لوضع حل للأزمة بالطبع تحت مظلة مصرية، وهو ما يتفق مع رغبة البرادعى الذى لا يزال يفضل الحل السلمى لفض الاعتصام بعيدا عن إراقة الدماء رغم أن هناك رغبة لدى قطاع كبير من المصريين باستخدام القوة، الصوت الذى يريد الاقتحام وإنهاء الموقف فى دقائق هو الأعلى ولديه أسبابه للحفاظ على هيبة الدولة، وهذا الصوت تحديدا هو الذى دعا وزارة الداخلية المصرية إلى إصدار بيان تؤكد فيه أنها تستطيع لو أرادت فض الاعتصام فى ساعة، لكنها لا تزال تفضل ضبط النفس، ألم تلاحظوا أن شيخ الأزهر د.أحمد الطيب أوقف كل الطلبات التى تحثه لطرد الشيخ يوسف القرضاوى من المجلس الأعلى لعلماء المسلمين.. برغم كلماته وتصريحاته المعادية لثورة 30 يونيو، التى تتعرض شخصيًّا لفضيلة شيخ الأزهر، هنا شيخنا الجليل يضرب المثل فى التعالى وإبعاد الأزهر عن ساحة الخلاف السياسى.
قرار المنع لأى فضائية أو جريدة إذا حظى بشرعية من خلال المثقفين سوف يتحول إلى قاعدة تستند إليها الدولة فى أى معركة قادمة على اعتبار أن تلك الفضائية أو الجريدة تهدد الأمن القومى للبلد.
لو عدت فقط قبل شهرين فى عز ما كانت العلاقات الشعبية المصرية التركية سمن على عسل بل إن النموذج التركى العلمانى كان واحدًا من آمال الليبراليين، ورغم ذلك أصدر اتحاد كتاب الدراما العرب برئاسة محفوظ عبد الرحمن قرارًا يناشد فيه «ماسبيرو» بالتوقف عن استيراد المسلسلات التركية، وطالبوا الشركات الخاصة بذلك أيضا، الحجج المعلنة هى الحفاظ على الهوية إلا أن السبب الحقيقى هو تضاؤل الاهتمام بالمسلسل المصرى، وبالتالى لم يعد كتابنا وحدهم فى الميدان فأرادوا إبعاد أى منافسة، وعندما اختلفنا سياسيًّا صار الطلب هذه المرة مغلفًا بغطاء شعبى.. لو استسلمنا لمشاعر الغضب وباركنا المنع والمصادرة سوف ندفع جميعا الثمن.