هى ثورة..
٣٠ يونيو كان ثورة شعب..
لم ولن تكون انقلابا أبدا..
لكن ماذا لو سرنا مع هؤلاء المعتصمين فى رابعة يسمعون ويطيعون قياداتهم ويرددون كالببغاوات الزاعقة أنهم يدافعون عن الإسلام وعن الشريعة؟!
طيب، ما رأيك أن الشريعة الإسلامية تفرض فض اعتصامَى رابعة والنهضة بل والاعتذار عن كل ما بدر منهم للفريق أول عبد الفتاح السيسى والتسليم له (وليس لخريطة المستقبل بالقيادة)؟!
لو كان ما جرى انقلابا من السيسى ضد حاكمه الشرعى كما يزعمون، فإن الشريعة الإسلامية التى لا يفهمها هؤلاء الجهلة تحتّم عليهم مبايعة السيسى والتسليم له بالقيادة.
سأعتمد هنا على دراسة بديعة للدكتور حسن بدير جمع فيها الأدلة الشرعية التى يتجاهلها أنصار الشريعة المدّعون.
يقول القاضى أبو يعلى فى كتابه «الأحكام السلطانية»:
«فأما إمارة الاستيلاء التى تُعقد على اضطرار فهى أن يستولى الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها».
لاحظوا أن الأمير المقصود فى هذا النص هو أمير الجيش، أى القائد العام للقوات المسلحة، فطاعته -حسب تفسير ابن عباس- لآية طاعة ولىّ الأمر «... واجبة حفظًا لصفوف الجيش من التشرذم والفُرقة».
إذن يذهب الدكتور حسن بدير إلى أن استيلاء الفريق السيسى على الحكم بالقوة (لو كان كذلك) من الممكنات الشرعية، لكن السيسى لم ينتزع السلطة بل استجاب لإرادة الشعب والثورة وعزل مرسى وقام بتنصيب أعلى سلطة قضائية مكانه، فالعزل أيضا -أو ما يسمَّى شرعًا «الحَجْر»- من ممكنات الشرع.
كما فَصَّل الإمام الماوردىّ:
الاستيلاء على الحكم ضربان (أى نوعان): حَجْرٌ وقهر، فأما الحَجْرُ فهو أن يستولى عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور... فلا يمنع ذلك من إمامته، ولا يقدح فى صحة ولايته.
فبهذا المنطق، كما يذهب الدكتور بدير، لا يستنكر الشرع الإسلامى أن يقوم الدكتور مرسى المنتخَب بتولية الفريق السيسى قيادة الجيش، فيقرر الأخير بدافع وطنى أن «يحجر» على الأول الذى ولّاه ويطيح به، ولا يعتبرها غدرا أو خيانة، بل ويؤيد الشرع هذا ويصحح ما فعله(!!).
ففى طبقات الحنابلة (1/244) نَصٌّ للإمام أحمد به بيان أن «الإمارة تنعقد بالغَلَبَة كما تنعقد بالرضا... يشمل ما إذا تغلَّب الحاكم بسيفه أو بسيف غيره، وسواءً كان هذا الغير مسلما أو كافرا».
فبموجب هذا النص الشرعى «بسيفه أو بسيف غيره» يعتبر الشارع حتى تولية المستشار عدلى منصور رئيسا مؤقتا من صميم اختصاصات الفريق السيسى ومن سلطاته(!!).
الأنكت من ذلك أنه محرّم دينيًّا الخروج على السيسى طبقا للشريعة، فكل ما يجرى فى رابعة والنهضة مخالف للشريعة حتمًا، فينقل حسن بدير عن شيخ وإمام الوهابية معشوق معتصمى رابعة محمد بن عبد الوهاب بإجماع المذاهب على رفض تحدى «الانقلاب/ الثورة» الذى قام به الجيش فى حق مرسى:
الأئمة مُجمِعون من كل مذهب على أنّ من تغلَّب على بلد أو بلدان له حكم الإمام فى جميع الأشياء.. لا يختلفون فيه.
أى أن العلماء أنكروا الخروج على المنقلب بالثورة والسيف والقتال(!!).
مؤسس الوهابية السلفية وشيخ إسلامها لم يكن يعبر هنا عن رأى شخصى، بل استند إلى أمر نبوىّ يُوجب الرضوخ للأمير ولو كان شيطانا فى صورة إنسان، كما فى صحيح مسلم حديث حذيفة بن اليمان عن رسول الله قوله: «يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى، ولا يستنّون بسنتى وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس... قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضُرب ظهرك وأُخذ مالُك».
فما دام المتغلب «صاحب شوكة» -بتعبير ابن خلدون- فهو الأصلح لسياسة الأمة وقيادتها، كما قال العلامة بدر الدين بن جماعة: «إن خلا الوقت عن إمام فتصدَّى لها من هو ليس من أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته... ولا يقدح فى ذلك كونه جاهلاً أو فاسقًا».
قال أحمد بن حنبل عن صاحب الشوكة: «لا يحل لمؤمن إلا الرضا بهذا المتغلب».
هذا إذن بالشرع والشريعة..
هذا إذن بالشريعة التى يزعم هؤلاء الدفاع عنها وهم لا يفهمونها أساسا.
لكن يبقى أن ٣٠ يونيو ثورة مثل ٢٥ يناير، شاء من شاء وأبَى من أبَى واستهبل من استهبل.