الحكومة تخلت عن قواعد خصوصيات الدول وانحنت لتقبل أيادى الحاضرين من الخارج الذين يمثلون علينا أنهم يستجدون الإخوان
«نتكعبل» للمرة الثالثة بعد موجة هائلة من الثورة فى حكومة ترتعد فرائصها من القوى الكبرى
مَن هؤلاء الذين يديرون دفة الحكم فى مصر الآن؟ هل هم مجموعة بلغت بها الميوعة والتخبط إلى حد أنها تدفع هذا الوطن كى تبتلعه رمال حكومات الغرب المتحركة تحت دعاوى الحلول الوسط ونبذ العنف، فى حين أن العنف يأتى فقط من جماعة الإخوان المسلمين، وهنا يجب التوقف بحسم للاستفسار عن مهزلة الوفود والشخصيات التى تأتى إلى مصر، بعد أن تغاضت الحكومة عن قواعد خصوصيات الدول، وانحنت لتقبل أيادى الحاضرين من الخارج الذين يمثلون علينا أنهم يبذلون كل طاقتهم لاستجداء قيادات الإخوان من أجل فض الاعتصام.
المذهل وما يدعو للحيرة ووجع القلب أن الشعب المصرى العظيم أعطى تفويضا، بناء على طلب الفريق أول عبد الفتاح السيسى لمقاومة الإرهاب ومحاربته والقضاء عليه فى جميع أنحاء الوطن واستئصال شأفته، وبعد أن خرجت عشرات الملايين إلى ميادين وشوارع مصر فى كل عواصم محافظاتها ومدنها وقراها اختفت الحكومة السنية، ولم نعد نشاهد الفريق أول عبد الفتاح السيسى فى ما يخص الشأن الداخلى، وهو محق فى هذا، حتى لا يتسبب فى إحراج القيادات السياسية التى أصابت المصريين، الذين ينتظرون فض مهزلة الاعتصام المسلح، بحالة من الغم والشعور بالارتباك والخذلان.
إنهم الخائفون الذين يستنجدون بحكومات وشخصيات من أوروبا وأمريكا ومن داخل الإقليم لإنهاء مهزلتى «رابعة العدوية» و«النهضة» التى لن تحل إلا بأذرع رجال مصر ذوى الهمة والشجاعة والبأس.. أيها المصابون بالكساح النفسى والثقافى والإدارى، اغربوا عن مشهد هذا الوطن ليحل محلكم الرجال الحقيقيون الأقوياء القادرون على مواجهة هذه الأزمة وحلها والانتهاء من المسخرة التى أصبحنا نعيش فيها. كونوا رجالاً مثل بوتين الذى تغلب على أزمة الشيشان المستفحلة باستخدام أقصى درجات القوة، واستطاع أن يقى بلاده من شر الإرهاب الأسود للإسلام السياسى، ضاربا عرض الحائط بأكاذيب حقوق الإنسان التى تستخدم لترويع الحكام الضعفاء، وكان مفترضا أن يكون هناك فعلا أوليا على الأقل على الأرض من حكومتنا ورئيسنا المؤقت ونائبه صاحب نوبل التى حصلت عليها توكل كرمان التى تتطاول بسفالة على إرادة الشعب المصرى. وهنا يتفجر السؤال حزينًا ومأساويًّا هل نحن فى دائرة مفرغة بدأت بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير الطاعن فى السن منزوع الخبرة السياسية وقدرة اتخاذ القرار الصحيح حتى أوصلنا إلى حكم الإخوان المسلمين الكارثى والهزلى الذى ليس من المتعقل أن يسمح لهم بإدارة طابونة أو سويقة خضار.
وها نحن «نتكعبل» للمرة الثالثة بعد موجة هائلة من الثورة فى حكومة ترتعد فرائصها من القوى الكبرى، وتنظر إلى الآخر الأقوى بانسحاق من لا يفهمون أن لموازين القوة نسبيتها وغير واقعيتها فى قاموس الشعوب القوية ذات الإرادة والتاريخ فى رفض التبعية وإيقاف الدول الكبرى عند حدها، ومثال لهذا جزيرة كوبا الواقعة على بُعد فراسخ من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المصريين ابتلوا لثالث مرة فى دائرة الثورة بضعفاء ومصابين بالعنة السياسية والحرص المبالغ فيه، وكم أذل الحرص أعناق الرجال الذين لا يمتلكون عزيمة الثوار وجسارتهم ووعيهم واستشرافهم للمستقبل.
فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن والثورة لا يجب التردد والتخبط فى مواجهة جماعة منحرفة خرجت عن الإجماع العام وعلى مدار التاريخ الإنسانى عندما تنشأ أوضاع تتعلق بمصير الأمم وأمنها القومى تعاقب مثل هذه الجماعة بقوة وحسم وصرامة، حتى ولو أدى الأمر إلى العنف المفرط والمفرط للغاية.
وفى هذا الشأن يجب الرد بقوة على نفاق الحكومة الألمانية التى أعدمت منذ عدة عقود قيادات «بادر ماينهوف» فى السجن بادعاء أنهم شنقوا أنفسهم فى انتحار جماعى، وفى عهد مارجريت تاتشر تركت عناصر منظمة الجيش الأيرلندى الحر، التى أضربت عن الطعام، تلقى حتفها دون أن تهتز شعرة للحكومة البريطانية.
ورئيس الوزراء البريطانى الحالى حذر فى أحداث أغسطس 2011 من تلويح ضد حكومته بدعاوى حقوق الإنسان فى مواجهة عصابات باتت تهدد الأمن القومى للبلاد، ثم ماذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية المنافقة التى تغاضت وصمتت عندما قتلت حكومات كثيرة عميلة فى أمريكا اللاتينية مئات الآلاف من مواطنى بلادها غيلة وغدرا، والثوار فى مصر لا ينادون بتصفية عناصر الإسلام التى ترفض فكرة الوطن وتعمل ضد مصالحه بمئات الآلاف، لكنهم ببساطة يطالبون بمواجهة عصابات رابعة العدوية والنهضة التى تحشد المغيبين تحت راية الإسلام البرىء من أفعالهم. الثوار والشعب المصرى لا يريدون فشلا آخر من حكومة نالت تفويضا بمحاربة الإرهاب، ولا صوت يعلو على إرادة هذا الشعب الحر لا فى الداخل ولا فى الخارج، وغير مسموح بالتقصير فى تلبية هذا التفويض، وإلا لكان الحساب عسيرا، وطالما أن الشعب أراد فعلى الحكومة أن تلتزم بهمة بما أراده، وإذا كان البعض فى الحكومة بدءًا من رئيس الوزراء حتى أصغر وزير يخاف من فزاعة حقوق الإنسان التى تستخدم بخبث لإعاقة إرادة الأمة أو لنقل الغالبية العظمى من أبنائها، فعلى هذا البعض أن يتنحى ويبتعد تاركا موقعه للأكثر جدارة وشجاعة وثقة بالنفس فى تنفيذ الإرادة الشعبية وأوامرها التى لا تُرد. أيها المهزوزون فى الحكومة الحالية الذين يستغفلكم عملاء الداخل والخارج بفزاعة حقوق الإنسان ما يحدث فى «رابعة العدوية» و«النهضة» ليس اعتصاما سلميا، ولا توجد دولة على وجه الكرة الأرضية تقبل بالابتزاز المسلح وقطع الطرق وتعطيل دولاب العمل وترويع المواطنين، وانظروا أيها المهزوزون حولكم وفى المدى الزمنى القريب ماذا فعل رئيس الوزراء البريطانى، وماذا فعلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ضد معتصمى وول ستريت وهم معتصمون سلميون لا يحملون السلاح فى بلد يباع فيه السلاح كأقراص الإسبرين.
وانظروا ماذا فعل أردوغان القبيح الذى يهاجمنا بمعتصمى ميدان تقسيم السلميين الذى اعتقل منهم 600 فرد فى ليلة واحدة.
طبعا لا أحد يتمنى سقوط قتلى، ولكن أين هى الخطوات الحاسمة للتصدى لما يحدث فى «رابعة» و«النهضة»، حيث لا توجد أى بادرة لهذا، ويترك هؤلاء المعتصمون يعيثون فسادا وتهديدا للأمن القومى المصرى، وتقوى شوكتهم يوما بعد يوم، والخوف أن يأتى يوم فى المستقبل تصبح مواجهتهم فيه أمرا صعبا فادح الثمن، لماذا لا يحاصرون.. ولماذا لا تمنع عودة من يخرج لماذا.. ولماذا.. ولماذا ثم ما الداعى لتكرار أخطاء الماضى منذ أيام مبارك واستجداء رموز الإسلام السياسى للمساعدة فى حل أزمة ما أسهل التغلب عليها، وكم فعلت هذه الرموز من كوارث فى حق هذا الوطن، لقد كانت الفرصة متاحة لإنهاء بؤرة «رابعة» بعد رد الهجوم على دار الحرس الجمهورى، وبعد موقعة المنصة، حيث هربت غالبية الموجودين وأصبحت المنطقة مفرغة. لماذا لم يتم اتخاذ قرار سريع بطرد البقية القليلة وإخلاء تقاطع «رابعة» مع الأوتوستراد وإلقاء القبض على المحرضين ومصادرة الأسلحة.
كانت الفرصة فيهما سانحة تماما، لكنها أهدرت بغرابة غير مفهومة، كى يتزايد الابتزاز، ويطلق الغرب عملاءه فى الفضاء السياسى داخل مصر لتمييع القضية وبناء قاعدة جديدة تعيد الكرة، أملا فى عودة الإخوان أو تكبيل الحكومة الحالية لحين إعادة ضبط الأوضاع بما يخدم المشروع الأمريكى الذى عطله فشل الإخوان المسلمين المزرى فى الحكم، وإذا كانت القوات المسلحة على قلب رجل واحد، كما يقول الفريق عبد الفتاح السيسى، وهو محق فى ما يقول، إلا أن المماطلة بدعوى البحث عن حل سياسى أمر يطيل بقاء القوات فى الشارع، وينتج عن استمرار هذا الوضع أخطار تهدد التماسك الصلب للقوات، وهذا هو منتهى أمل واشنطن والإخوان المسلمين وإسرائيل، لذا يجب أن تحسم فى أسرع وقت مهزلة «رابعة العدوية» و«النهضة» حتى لا تتفاقم العواقب ويدخل هذا الوطن فى النفق المظلم الذى يراد له.
المصريون لا يريدون فشلا آخر وقطيعا آخر من الخرفان، فإما أن تكونوا رجالا وأهلا لتفويض وإرادة هذا الشعب، وإما أن تخرجوا من المشهد كى يتقدم الصفوف الأكثر شجاعة وجسارة لمواجهة أعداء الوطن فى الداخل والخارج.