للثورة تعريفات عديدة، منها تعريف يفيدنا فى موضوعنا المثار هو: «الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع بحركة عدم الرضا والحلم بالأفضل»،
أما السلطة فهى القدرة على الإكراه، بمعنى امتلاك قوة تستند إلى قاعدة من القانون، وتكون مقبولة ومتوافقا عليها بما يشكل الرضا العام، وإذا نظرنا إلى ما جرى فى مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 إلى ثورة 30 يونيو 2013، نستطيع أن نرصد ثورة ملايين المصريين الحالمين بأوضاع أفضل لوطنهم ولأنفسهم، لذلك كان من الطبيعى أن تكون الشعارات المرفوعة هى: عيش. حرية. عدالة اجتماعية. كرامة إنسانية، ومن المعلوم أن هذه الأهداف المبتغاة لها مداخل عديدة للتحقق، وينظر لها كل تيار سياسى من منظور معتقده الفكرى، ومنهجه السياسى، وانحيازه الاجتماعى، كما كان واقعا بصدد المبادئ الستة لثورة 23 يوليو- الثورة الأم- وإذا نظرنا، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على مرور الموجة الأولى فى ثورة 25 يناير 2011، فسوف ينكشف لنا جميعا عدم السير فى طريق تحقيق تلك الأهداف، وفى ظنى أن ذلك يعود إلى أن الثورة فى موجتيها الأولى والثانية لم تتسلم السلطة، وبالتالى لم تمتلك قوة التنفيذ الجبرى المسنود على قاعدة القانون وشرعية القبول العام، ويعود ذلك إلى عدم وجود قيادة مفوضة من قبل الثوار تفاوض أو حتى تجبر القوى الأخرى على حقها فى تسلم السلطة، حتى تتم ترجمة أحلام الثورة وأهدافها لقرارات نافذة فى الواقع، وللأسف مازالت هذه الثغرة قائمة، ما ساعد وسمح بأن تتسلم السلطة قوى أخرى من جهاز الدولة أو من القوى المنظمة فى المجتمع، سواء كانت عسكرية أو مدنية، وقد تسبب ذلك فى خلق فجوة كبيرة بين أحلام الثوار ومتطلباتهم وبين ما يؤخذ من قرارات، حيث تفاوتت الرؤى وتباينت الاجتهادات واختلفت القراءات للمشهد السياسى والمرحلة المعاشة من الصراع الدائر فى مصر الآن، حيث تقرأ الثورة المشهد من منظور استقلال القرار الوطنى المصرى، والآخرون فى السلطة يغلب عليهم قراءة المشهد من منظور مصر التابعة والواقعة فى أسر السياسات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، ولعل هذا الخلاف هو الذى جعل الثورة والثوار لا يرون فى المعونة الأمريكية طوق نجاة للاقتصاد المصرى ووجب التخلص منها، ويراها البعض شهادة للاستثمار الذى يجب أن يأتى، كما ترى الثورة وكذلك الثوار أن زيارة السيدة أشتون للدكتور محمد مرسى زيارة غير مرغوب فيها طالما الرجل يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، أما من فى السلطة فيراها سببا فى إقناع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بالمعاملة الكريمة واللائقة لرئيس سابق.
وترى أن السفيرة الأمريكية غير مرغوب فيها فى دولة استرجعت قرارها المستقل عبر ثورتها، إلا أن السلطة لا تريد إغضابها حتى ولو تدخلت فى شؤوننا الداخلية، لأنها تعودت على ذلك، والغريب أن يأتى من بعدها سفير شارك فى بناء جيش سوريا الحر، لو صح هذا الخبر لكان طلب الثورة عدم قبول أوراق اعتماده، إلا أن السلطة سوف ترحب بوجوده وتقبل أوراقه، كما أن الثورة ترى فى علاقتنا بالولايات المتحدة علاقة مصالح متبادلة وندية، إلا أن السلطة مازالت ترى فى أمريكا القوة الراعية لمصر.
عديدة هى الخلافات بين رؤية الثورة والثوار ورؤية السلطة وقراراتها، وسوف تكشف الأيام القادمة عن عمق هذه الخلافات، سواء كان ذلك فى الدستور أو السياسة الخارجية أو نموذج التنمية. لذلك مازالت مهمة بناء قيادة للثورة هى مهمة الثوار الأولى، ولهذا حديث آخر.