لا أنكر أننى تصيبنى نوبات متقعطعة من الهلع والخوف على مستقبل مصر، وحين أصاب بهذه النوبات أفرغ فزعى فى كل من حولى، لا لأننى أجهل طبيعة مصر بعقلى، ولكن لأننى أشعر بأن مصر ابنتى التى أحيانا كثيرة ما أخاف عليها خوفا غير منطقى... معلش، اللى تعب مش زى اللى أخد على الجاهز.
قبل 30 يونيو، كتب القيادى الشبابى فى جماعة الإخوان المسلمين، أحمد المغير، على حسابه: «لو مرسى مشى حنعمل لكو أول حرب أهلية فى تاريخ مصر». ولا أعلم من أى بئر غرور وجهل يعب السيد المغير وجماعته. كما لا يخفى على أحد أن حلم حياة جماعة الإخوان المسلمين الزج بمصر فى حرب أهلية يستتبعها تدخل دولى، وقد شرعوا فى هذا بالفعل، وجاءت ساعة الصفر عدة مرات، وقت أن افتعلوا المواجهات، ووضح ذلك حين قال صفوت حجازى: «يوم السبت حيحصل حاجة، يوم الأحد الريس بينا!». و«الحاجة» هذه كانت أحداث المنصة. حيث اعتمدت الجماعة على التكتيك السورى فى بناء المتاريس الحجرية، وعقدت العزم على أن تكون أحداث المنصة هى بدء المواجهات التى تؤدى بالبلاد إلى ما يرنون إليه. هذا بخلاف التنسيق مع القوى الغربية، التى تبذل قصارى جهدها لمساعدة الجماعة فى تنفيذ خطتها التى يبدو أنها لاقت قبولا دوليا. ما أسمعش حد بيقولى: «مصدر معلوماتك؟!» لأن مَن سيطرح هذا السؤال فالبعيد أعمى لا يرى ولا يعقل.
طيب، هذه خطة ما تخرش الميه الحقيقة، وتم تنفيذها فى عدة مناطق من المشرق العربى ونجحت بالفعل. أى أن جماعة الإخوان المسلمين ليس لديها الحد الأدنى من الابتكار فى أى شىء، حتى فى خيانة الوطن، لكن الجماعة ينقصها شيئا واحدا التعرف على مصر.
يعنى مش عارفين البلد اللى عايزين تخربوها، اقرؤوا بن خلدون، اقرؤوا المقريزى، اقرؤوا بن إياس، اقرؤوا شخصية مصر... إنشالله حتى تسمعوا أغنية سيد حجاب: اللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى.
الحقيقة أن الجماعة، وما تفرع منها من حركات الإسلام السياسى، ليس لديهم الشعور بالانتماء إلى الوطن، وإنما العاطفة المسيطرة عليهم هى الانتماء إلى الطائفة الدينية، وهذه أيضا ليست بالمعلومة الجديدة، وليس أدل على ذلك من طرحهم الدائم للرئيس الإندونيسى الذى هو أقرب إليهم من المصرى القبطى، هذا بخلاف قبولهم لما نسميه نحن «مقاتلين أجانب» للانضمام إلى صفوفهم فى أثناء معاركهم التى لا تتسم بالوطنية، وإنما تشتعل تحت راية تصنيفهم الطائفى. لا أعنى بذلك أننى أثمن الانتماء الوطنى فوق الانتماء الطائفى، فكل إنسان له الحق فى اختيار انتماءاته، خصوصا أن التيارات الإسلامية وجدت تربة خصبة فى بعض الدول التى لم تكن دولا بالأساس، وإنما أسسها الاحتلال، ورسمت حدودها اتفاقية سايكس بيكو، وبما إنها دول مستحدثة، وبما إن صانعها محتل مكروه من السكان الأصليين، فالبعض يجد وجاهة فى تفضيل الانتماء الطائفى وهو المكون الرئيس لسكان المنطقة على الانتماء الوطنى الذى صنعه الاحتلال.
مشكلة تيار الإسلام السياسى إنه يعتقد أن الثوب الذى ألبسه لدول أخرى، قد يأتى مناسبا لمصر... معلش، مصر تخينة شوية على المقاس ده، وحاولنا نعمل لها رجيم مافيش فايدة، بتضرب كشرى ومحشى كل يوم.
شوف يا سيدى، بقى كل دول العالم كوم، ودولة مصر كوم آخر. من أول ما ربنا قال: يا دنيا، وهناك دولة اسمها مصر. لم يصنعها احتلال، ولم ترسم حدودها اتفاقيات، وإن أقرت بعد ذلك الاتفاقيات الحد الأدنى من الحدود التى كانت وصلت إليها مصر. حتى إبان دولة الخلافة التى يحلم باستعادتها مَن يعيشون فى هذيانهم التاريخى، لم تكن مصر «محافظة» فى دولة الخلافة، وإنما كانت دوما مصر.
منذ فجر التاريخ، هناك دولة قديمة، لها مؤسسات، وجيش، وشرطة، وملك، وكهنة، وعمال، وفلاحون، وفنانون، ومستندات، وبيروقراطية، وأختام، ونكات يطلقها الشعب على الحاكم، وسيادة على الأراضى، حتى كعك العيد، هذه الدولة اسمها مصر، صنعها الله. أو بالبلدى: هى كده خلقة ربنا. وهى دولة ذات سيادة، أطرافها مترامية، بينما يقطن غالبية أهلها فى شريط ضيق على ضفاف النيل، مصممون أن تظل هذه الصحراء مترامية الأطراف جزء من بلادهم، ومصممين يسيبوا الشقة كلها ويقعدوا فى أوضة واحدة. واستتبع كل ذلك الشعور القديم بالانتماء الوطنى، على الرغم من وجود القبائل والعشائر والطوائف الدينية والاختلافات العرقية فى مصر، إلا أن الشعور الوطنى لدى كل هؤلاء المواطنين عمره آلاف السنين، بل إن الأناشيد الوطنية السخيفة التى تبكينا جميعا على الرغم من فجاجتها لها تاريخ عمره آلاف السنين.
ماذا نتج عن ذلك؟