انتقلت للإقامة فى بريطانيا عام ١٩٩٩. أيامها كان أبو حمزة المصرى نجما تليفزيونيا. رُسم بمخلبه الحديدى، وحديثه الزاعق، صورة ذهنية عن المسلمين. بسبب هذه الصورة الذهنية التى تكونت عن «اللافت للنظر» من بين المسلمين نشأت تعبيرات شبيهة بما نسمعها هنا. «مسلم بس معتدل»، «مسلم بس بيروح السينما». أى أنه صار هو القاعدة ونحن الاستثناء. لأننا الأغلبية المتواطئة بالصمت.
بالنسبة إلى البعض لقد كان هذا دليلا على انفتاح المجتمع البريطانى على الثقافات الأخرى. وحرصه على سماع رأيها. بالنسبة إلى آخرين، لقد كان هذا «مؤامرة» من كارهى الإسلام فى بريطانيا لتشويهه، وذلك بربطه بهذا الخطاب.
لكن الأمر بالنسبة إلىّ أبسط من ذلك. هناك مسلم بريطانى نشط آخر اسمه سلمان رشدى، واحد من أكثر الكتاب موهبة، اختير كتابه «أطفال منتصف الليل» وليس «آيات شيطانية» لجائزة «بوكر» البريطانية عام ١٩٨١، هذه إحدى أرفع الجوائز العالمية للروايات المكتوبة باللغة الإنجليزية. ثم عاد الكتاب واختير عام ١٩٩٣ كـ«أفضل كتاب فاز بجائزة بوكر» منافسا ٢٤ كتابا غيره كلهم حصلوا على جائزة «بوكر». وذلك بمناسبة بلوغ المسابقة عمر ٢٥ عاما.
هذا مسلم مرموق. ستقولين لى إنه ملحد. سأقول لك وهل تعتقدين أن كل هؤلاء اليهود والمسيحيين الذين يحصلون على جوائز متدينون؟ أو مؤمنون بالله كما فى الكتب السماوية؟ لا. أبدا. الفارق أنهم نشؤوا فى مجتمعات لا تجعل الدين عبئا على الفرد، وعدوًّا له، وعدوًّا لإبداعه. فعاش هؤلاء الأفراد مع أديانهم فى وئام باعتبارها ثقافة، ومنظومة أخلاقية، وذهنية، شكّلته منذ كان صغيرا. والأهم أنهم لم يتعرضوا للمؤمنين ولا حاولوا أذيتهم جسديا، ولا حرّضوا على ذلك. هذه نقطة.
النقطة الثانية أن سلمان رشدى تعرض لفتوى بإهدار دمه بسبب رواية «آيات شيطانية». أتحداكِ أن تكونى قرأتها.. أن يكون واحد فى المليون من المسلمين فى هذه البلد قرأوها. لماذا؟ لأننا فى الحقيقة نعيش تحت الوصاية. فلان يصدر فتوى، ونحن نسلِّم بها، ولا يُسمح للكتاب بالطباعة ولا الترجمة ولا البيع ولا التداول. ثم تقولين لى إن الإسلام ليس فيه كهنوت؟ ما الكهنوت فى ظنك؟!
النقطة الثالثة، وهى التى تعيدنا إلى موضوعنا. لقد صدرت فتوى فى حق سلمان رشدى، صدر غضب عارم، مظاهرات، حرق دور كتب، قتلى، جائزة على رأس سلمان رشدى. لكن ماذا عن أبى حمزة المصرى، وغيره؟
لا شىء. لا شىء على الإطلاق. كان يسرح ويمرح، حتى رأى الناس أنهارا من الدماء على الطرقات. ولما تقابلى الإسلامجى الوسطى الكيوت يقول لك «بس مش هو دا الإسلام». كده يعنى بينك وبينه. لا بيعترض، ولا بيتظاهر، ولا بيصرخ، ولا بيطلّع فتاوى، ولا بيقول لك «نعم للحرية ولكن بقيود» ولا أى حاجة من اللى اتعملت مع سلمان رشدى. بالعكس، دا بيساوى بين شخص مبدع، مسالم، كسلمان رشدى، وبين شخص بيحض على القتل، كأبى حمزة المصرى. عفوا.. يساوى؟! فى الحقيقة ليس لديه مشكلة «كبرى» مع فتوى قتل سلمان رشدى. لكن لو حد مسّ أبو حمزة يطلع يصرخ «حقوق الإنسان»!!
لسه مقتنعة إن فيه مؤامرة لتشويه الإسلام من أعدائه؟! نعم! أنا بابالغ؟!
طيب. النقطة الرابعة. اسألى نفسك: يفرق إيه أبو حمزة المصرى عن عاصم عبد الماجد؟ هه. يفرق إيه؟ ولا حاجة. كل الحكاية إنه ماعندوش مخلب حديد. لكن عنده نفس المخ. يفرق إيه عن اللى بيشيلوا علم القاعدة ويرفعوه فى المظاهرات؟ وعن اللى بيضربوا الكنايس ويرفعوا عليها علم القاعدة؟
وبعدما تردِّى على السؤال دا اسألى نفسك: مش توكل كرمان دى مسلمة مرموقة عالميا حاصلة على جايزة نوبل للسلام؟ آه والنيعمة للسلام. مش كانت جاية تقف على نفس المنصة اللى وقف عليها عاصم عبد الماجد وغيره بمباركة «الفصيل الوطنى»؟ هل هذا سلوك إنسانة ترفض «تشويه الإسلام على يد فئة من المتطرفين»؟ ثم ماذا عن سياسى مسلم مرموق آخر، وحائز على جائزة نوبل للسلام، يصف الفصيل الذى يفتح له المنصة والمايك بأنه «فصيل وطنى»، أو ديمقراطى بمرجعية إسلامية؟
لما تجاوبى عن الأسئلة دى بينك وبين نفسك، بضمير، وبأمانة، ابقى تعالى نكمل المناقشة. يا صديقتى نحن نسير نياما إلى مصير مجهول/معلوم.. وكله بالأخلاق! وكله بالحنية يفك!