كانوا يسخرون منا ونحن نقوم بجمع التوقيعات على بيان التغيير قبل ثورة 25 يناير ويقولون لنا: اذهبوا إلى زعيمكم البرادعى الذى يريد قلب نظام الحكم، وقولوا له إن مبارك لن يسقط وسيستمر. وكنت تبتسم وتقول لنا: أنتم تكسرون كل يوم جزءاً من جدار الخوف وحين يكسر الناس حاجز الخوف سيسقط النظام وكان ما كان.
تجمعت هذه النخب حولك والتقطوا الصورة التذكارية الشهيرة ثم خرج كثير منهم ينهشون فيك-وبعضهم الآن يشيد بحكمتك ويصطف خلفك- وكنت تقول لنا: هذه نخبة بائسة لا تختلف كثيراً عن النظام ويجب أن تسقطوها معه، لأنهما عقبة فى وجه تطور هذا البلد.
لم تكن تمارس السياسة بل كنت تمارس الأخلاق لتؤكد لنا أننا أخلاقيون قبل أن نكون سياسيين، كنت تقول لنا: سيراكم الناس سذجاً وحمقى، وسيسخرون منكم لكنهم سيدركون يوماً أنكم الأنقى وأن المبادئ ستنتصر مهما كان الضجيج حولها.
اختلفنا معك كثيراً، ومع رؤيتك للأمور، وكنا ننتظر منك ما لم تفعله ولم نكن ندرك أنك تخشى على نفسك من هذا الكدر والعفن الذى يرتع فيه آخرون، كنا نرى أن السياسة نسبية ولكنك تراها مطلقة تستند إلى مبادئ صلبة لا تتزحزح عنها، لذلك لم نرك سياسياً جيداً بل وجدناك مثالياً تنطلق من ضميرك فقط.
اليوم تنطلق سهام الإفك والتشوه لتنال منك، اليوم تعلو أصوات مندوبى أمن الدولة- الذين نعرفهم من قبل الثورة جيداً- فى بعض الصحف ووسائل الإعلام لتزايد عليك لأنك تنحاز إلى إنسانيتك وموضوعيتك وخوفك على مصر من مستقبل دامٍ إذا استجابت لنداء الكراهية واستجابت لهستيريا الدم وسفكه.
نعلم يقيناً أن هناك من يريد حرقك أمام الناس ليصعد على أكتافك لمنصب الرئاسة، ومنهم من يدَّعون محبتك وتقديرك تقية وتزلفاً، رغم أننا نعلم أنك لن تخوضها أبداً، نعلم كم الضغوط التى يمارسها البعض ضدك لإقصائك عن المشهد حتى يعيدوا مصر لعصور مظلمة، ووجودك عقبة فى طريقهم.
لا تحزن، فنحن فى زمن الاستباحة والكل مستباح لهؤلاء، ينهشون فينا ويمارسون الإرهاب الفكرى والاغتيال المعنوى لكل رمز ثورى حقيقى، لكننا لا ننكسر ولا نضعُف بل يزيدنا إجرامهم ثباتاً ويقيناً أننا على الحق، طالما أن هؤلاء يحاربوننا وهؤلاء يحاربوننا فى نفس الوقت، فهذه علامة على صحة الطريق، وسنشق دربنا بين الاثنين لنكمل ما بدأنا.
لسنا قلة مهما توهم هؤلاء أو هؤلاء، وراءنا ملايين تؤمن بمبادئنا، وإن صمتت الآن فإنها تدرك أننا نعبر عنهم وعن ضمائرهم الحية وعن حلمهم لهذا الوطن.
هذه الأصوات الصاخبة وهذه الأفاعى التى تبث سمومها يعرفها الشعب جيداً مهما تلوَّنوا أو ارتدوا ثوب الثورة فى غفلة، لن نبيع مبادئنا من أجل مكاسب سياسية ولا طموحات انتخابية، ولتذهب السياسة والانتخابات للجحيم إذا جعلتنا نغير قيمنا وأفكارنا من أجل أن نُرضى هؤلاء أو هؤلاء.
فى لحظات المفاصلة الأخلاقية تثبت قلة ويسقط كثيرون، سنظل نقول ما قد يكرهه البعض ولا يحبون سماعه، لن نرقص مع الراقصين لن ندلس مع المدلسين، وسيأتى يوم يفيقون فيه من سكرتهم ويقولون لنا: نعتذر إليكم، فقد كنتم ترون ما لا نرى.
اثبت مهما كان الثمن، واطمئن، فالثوار المخلصون معك، ومن خلفهم مصر الحقيقية التى لم يعرفها الإخوان ولا نظام مبارك.
اثبت فلست وحدك.