لأن أمريكا حديثة العهد بالتاريخ، فهى على ما يبدو لا تتعلم منه شيئاً، فما يحدث اليوم لا يختلف كثيراً عما حدث فى الخمسينيات الماضية، حين فشلت الإدارة الأمريكية فى تفهم آمال الجماهير المصرية وتطلعاتها المشروعة فى غد أفضل.
كان ذلك فى ظل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وقد أدركت قيادة عبدالناصر الوطنية آنذاك أنها إن لم تحصل على الدعم الأمريكى لبناء السد العالى فبإمكانها أن تحصل على الدعم السوفيتى، وهكذا تحول السد إلى رمز لصداقة الشعبين المصرى والروسى، فى تعارض صارخ مع رمز آخر للحماقة الأمريكية وهو برج الجزيرة.
واليوم تقع الولايات المتحدة فى نفس الخطأ بتجاهلها الإرادة الشعبية فى مصر، التى تجلت أمام كل ذى عينين يوم 30 يونيو، ثم ثانية يوم 26 يوليو، حيث ظلت تدفع إلى ضرورة إعادة مرسى إلى الحكم باعتباره الرئيس المنتخب، ثم حين اتضح أمام العالم سخف هذا الموقف، بدأت واشنطن تدفع من أجل ضرورة إشراك نظام الإخوان الذى أسقطه الشعب فى الحكم، بعكس ما فعلت هى نفسها فى العراق، وبعكس ما حدث فى كل التجارب التاريخية المماثلة، بما فى ذلك جنوب أفريقيا.
وكما حدث فى خمسينيات القرن العشرين، كانت روسيا جاهزة بدعمها للإرادة الشعبية المصرية وباعترافها وتقديرها المعلنين لآمال المصريين فى تحقيق المستقبل المشرق الذى من أجله قامت الثورة.
إن أمام القيادة السياسية الحالية التى لا تقل وطنية عن قيادة عبدالناصر فرصة سانحة لعدل ميزان علاقتنا الدولية بتوطيد العلاقات مع روسيا، لماذا لا تتم دعوة الزعيم الروسى فلاديمير بوتين إلى مصر تقديراً لموقفه من الهبَّة الشعبية العارمة التى قامت بها جماهير الشعب المصرى يوم 30 يونيو، وهو التقدير الذى كانت هذه الجماهير سباقة فى الاحتفاء بتصريحات بوتين بشأنه فى وقت كان فيه «أصدقاؤنا» يروجون لنظرية «الانقلاب العسكرى». لقد رفعت الجماهير بفطنتها صورة بوتين منذ أكثر من أسبوع فى محطة سيدى جابر بالإسكندرية جنباً إلى جنب مع صور عبدالناصر والسيسى، وعلى قيادتنا السياسية أن تترجم ذلك إلى سياسة رسمية للدولة تحرر مصر الثورة من قبضة العلاقات الدولية أحادية الجانب.