طالعت فى الصحف المصرية منذ حوالى أسبوعين خبرا يشير إلى أن صديقى العزيز الأستاذ الدكتور محمد نور فرحات وجه لى عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، عتابا، قال فيه: «تاريخك العلمى والسياسى أرفع من أن تظهر فى قناة الجزيرة مباشر مع شخصيات عليها كثير من علامات الاستفهام، للحديث فى موضوعات يثيرها إعلام موجه ضد مصر، حتى ولو كان حديثك موضوعيا متوازنا؛ كلمة الحق ستضيع وسط جوقة الشياطين؛ الرسالة الإعلامية موقف».
ولأننى لست من المولعين باستخدام مواقع التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت، فقد اكتفيت بالتسليم بحق الصديق علىّ، من منطلق أن العتاب بين الأصدقاء أمر وارد، وربما يكون مطلوبا ومفيدا للتنبيه إلى خطأ أو لتجنب التمادى فيه، واعتبرت الموضوع منتهيا عند هذا الحد. غير أن الموضوع نفسه ما لبث أن عاد ليطرح نفسه من جديد بمناسبة تغطية تقوم بها قناة الجزيرة الإخبارية لما يجرى فى مصر منذ 30 يونيو، حيث استضافت مجموعة من الكتاب والإعلاميين المصريين، كنت واحدا منهم، للتعليق على الأحداث المصرية من استديوهات القناة فى الدوحة. ويبدو واضحا أن الأغلبية الساحقة من المصريين تشعر بأنها تغطية غير مهنية، لأنها موجهة ومنحازة وتتبنى بالكامل وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين، وقد وصل بها الغضب من قناة الجزيرة حداً دفع بالبعض إلى وصف كل من يشارك فيها بأنه إما «خائن» أو «عميل»، حتى ولو كان يدافع عن وجهة النظر الأخرى التى لا تنحاز إليها الجزيرة.
لا اعتراض لدىّ على وجهة النظر القائلة بأن التغطية التى تقوم بها شبكة قنوات الجزيرة، خاصة «مباشر مصر»، منحازة وتروج لوجهة النظر التى تتبناها جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، وبالتالى تبدو غير مهنية بالمرة. ويتجلى هذا الانحياز بوضوح عبر ما تقدمه الجزيرة من تغطيات وتقارير وتحقيقات «استقصائية»، أو حتى من طريقة عدد لا بأس به من المذيعين ومقدمى البرامج عند إدارتهم الحوار وتوجيه الأسئلة والتدخل والمقاطعة المستمرة.. إلخ. وقد عبرنا عن وجهة النظر هذه، وبصراحة تامة، أمام جميع المسؤولين فى القناة الذين التقينا بهم، بل أمام سمو الشيخ تميم نفسه، أمير دولة قطر، الذى التقى كل المصريين المشاركين فى هذه التغطية، حيث دار نقاش استغرق ما يقرب من الساعتين.
لكن هل الحل يكمن فى مقاطعة الجزيرة كما يطالب البعض؟ لا أظن ذلك، فمقاطعة منبر مهم كهذا من جانب المدافعين عن وجهة النظر القائلة بأن ما حدث يوم 30 يونيو كان ثورة لتصحيح مسار الثورة، وأنا واحد منهم، ليست هى الحل.
حين اتصل بى الأستاذ إبراهيم هلال، مدير قطاع الأخبار فى قناة الجزيرة، وهو من خريجى قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يدعونى للحضور إلى الدوحة لمدة أسبوع للمشاركة فى تغطية أحداثٍ، بدا واضحا أنها ستطول، فهمت منه أنه يسعى لتحقيق التوازن قدر الإمكان بين وجهتى النظر المطروحة على الساحة، وأنه وجه دعوة مماثلة لعدد ممن يعبرون عن وجهة النظر الأخرى. ورغم أنها كانت تجربة جديدة تماما بالنسبة لى، فإننى لم أتردد فى خوضها، واعتبرتها بمثابة دعوة لخوض معركة لا يجوز الانسحاب أو الهروب منها.
أعترف بأننى مررت بلحظات بدا فيها العبء النفسى، بسبب مظاهر الانحياز الواضح لوجهة نظر الجماعة، أكبر من أن يحتمل، غير أننى أعتقد أن التجربة كانت فى مجملها مفيدة وتستحق أن تخاض، بصرف النظر عن نتائجها الفعلية. وليس لدىّ أى اعتراض على حق الآخرين فى تبنى وجهة النظر المطالبة بمقاطعة قناة الجزيرة، إلا أننى أعتقد مع ذلك أن الادعاء بأن مجرد الظهور على قناة الجزيرة فى هذه الأيام يعد خيانة للوطن، ينطوى على تجاوز غير مقبول وعلى مزايدة مرفوضة. وأرجو أن يدرك هؤلاء حقيقة أساسية، وهى أن قناة الجزيرة، ومهما كانت التحفظات الحالية عليها، لاتزال، وبشهادة جميع المؤسسات المعنية، هى المنبر الإخبارى الأول فى العالم العربى، وبالتالى فمقاطعتها لن تفيد كثيرا، والأفضل اقتحام أو اعتلاء هذا المنبر لطرح الرأى الآخر.