هذا هو عنوان كتاب علم اجتماع سياسى للكاتبان «دان شيرو» و«كلارك ماكولى»
Why not kill them all?
يتناول قضية القتل الجماعى لفصيل بشكل إبادة فيبدأ بسؤال تهكمى: لماذا لا نقتلهم جميعاً؟ الإجابة تأتى بتناول تاريخ المجازر فى العالم وتتوصل إلى أنه رغم حالات تاريخية معروفة فى أوروبا وأفريقيا ومناطق أخرى والتى كانت فيها «الإبادة هى الإجابة» فالملاحظ تاريخياً أن مثل هذه المجازر ـ نسبياً ـ لا تحدث بشكل واسع.
لماذا لم تحدث مجازر الإبادة الكلية بشكل واسع تاريخياً رغم قدرة الإنسان العالية على استخدام العنف؟ يجيب الكاتبان بأن الإنسان أدرك أن القتل الجماعى فى الأخير لا يأتى بنتائج مجزية. إذن، السبب فى «عدم قتلهم جميعاً» هو التفكر المنطقى فى إيقاف دائرة الانتقام التى تتولد - ولا تنتهى- «بالظن» أن جماعة ما «قضى عليها تماماً الآن وإلى الأبد». باختصار، الكتاب يبدأ أولاً بالشرح التفصيلى لإمكانية تحول أى مجتمع قد يصف نفسه «بحب السلام» إلى داعمى القتل الجماعى فى صيغة «يالا خلونا نخلص منهم كلهم» وذلك من خلال تصوير الفصيل المستهدف: بالخيانة، بالغباء، باللاإنسانية، بأنهم حشرات، حيوانات، جماد، أو أى من الصور الجمعية التى تُسهّل التعامل معهم كمجموعة متجانسة خالية من الفوارق الفردية وطبعاً تصويرها بأنها بعيدة كل البعد عن الجماعة السائدة فى المجتمع. كل هذا يصبح أداة التبرير للتخلص منهم جميعاً فى صيغة «مبيد الحشرات» الذى سيقضى على «الصراصير».
عظيم جداً. لكن لو كانت الأمور بهذه السهولة لكانت المجازر أكثر حدوثا تاريخيا إذن. هنا تأتى المعضلة التى يطرحها الكتاب وهى أن «قتلهم جميعاً» ليس حلاً منطقياً أو مستداماً. ولذلك فطن السياسى إلى أن «القتل الجماعى» لا يولّد سوى أسطاير الشهداء والمظلومين التى تعود بعد جيل إما لتجدد دائرة العنف الانتقامى المضاد، أو تستقطب استعطافاً جديداً كلياً للفئة «المظلومة» فتتجدد هذه الفئة بداعمين جدد.
إذن إجابة سؤال: لماذا لا نقتلهم جميعاً؟ هى أننا لا يمكن أن نقتلهم جميعاً.
التفاتاً إلى مصر، نجد أننا تعيش حالة تكاد تكون «السياسة» فيها قد ماتت، رغم انشغالنا جميعاً بالسياسة. كيف؟ ذلك لأن المعالجات السياسية للأزمات تتطلب حلولاً تفاوضية ومساومات، تُحفَظ فيها الأولويات. فى هذا الإطار يبدأ الطرف الأقوى بفرض أولوياته. حالة مصر ما بعد ٢٦ يوليو كالآتى: قام الشعب المصرى وجيشه بعزل رئيس، أى نعم انتخب، لكنه فشل بعد انتخابه من مقاومة «جماعة ضغط» ظلت تطالبه «بالولاء والطاعة» لها بشكل قلب موازين تحالفات كان واجباً عليه خلقها مع آخرين خارج نطاق «الأهل والعشيرة». عندما أثبت الرئيس أنه «قابلاً كلياً للانضغاط» تحت الجماعة فى علاقة غير طبيعية مع «مرشد غير منتخب»، وعندما أثبتت جماعة الإخوان المسلمين فشلها فى تحويل نفسها تماماً من حركة سياسية محظورة، لها مصالحها الضيقة، إلى حزب سياسى جامع، ثارت وانقلبت فئات ومجموعات ومؤسسات وطبقات عريضة من الشعب المصرى ضد الرئيس فأسقطته هو وجماعته. لن يعود الرئيس. نقطة ومن أول السطر.
ماذا كان ينبغى على الإخوان فعله؟ كان ينبغى عليهم التسليم بالأمر الواقع وإنهاء هذا الفصل من التاريخ، كى يتمكنوا أصلاً من تعديل أنفسهم فى نسخ جديدة تستطيع البقاء السياسى مستقبلياً. إن فشل الإخوان مجدداً فى رؤية هذا الاختيار كطوق نجاة، دفع الشعب إلى مواجهتهم نظراً لتفضيل الجماعة للمواجهة. من ثم صار حتمياً أن يتحول الخطاب العام من المفردات السياسية التى بدأ بالدعوة «لانتخابات رئاسية مبكرة» إلى مفردات أمنية بحتة فى صيغة «القضاء على الإرهاب والعنف».
هذا هو التسلسل. لكن كوننا وصلنا إلى هذه النقطة أصلاً يعكس حالة الموت السياسى الذى نعيشه وحالة إحياء لأفكار «لماذا لا نقتلهم جميعاً؟» المشكلة أن «قتلهم جميعاً» ليس حلاً مستداماً، وهذا أمرٌ بديهىٌ تدركه القوات المسلحة والداخلية معاً. المطلوب الآن إيضاح هذه الفكرة إلى كثير ممن خرجوا يتظاهرون فى مظاهرات التفويض، ويشعرون الآن بالإحباط لتعطشهم لإجراءات أمنية أكثر حسماً.
أحد أضلع الحل تكمن فى شرح فكرة التأنى فى معالجة وضع اعتصامات رابعة والنهضة عن طريق أطروحات مثل: القيام بعمليات إنقاذ ونقل لقاطنى المنطقة من المواطنين المتضررين، حصار الاعتصامين وتشديد الخناق عليهما، إلى أن تقل الأعداد نتيجة الحصار، فيسهل التطويق على أصغر حلقات ممكنة. هنا فقط يمكن التعامل الأمنى المباشر. بذلك ننهى الصراع باستراتيجية ذات مراحل متعددة توصلنا إلى هدف وهو حل أمنى دقيق من جهة، ثم خلق علاقات سياسية جديدة ومستدامة من جهة أخرى. ذلك أمنياً أكثر استدامة، وحكمة ومنطقية.