
في إحدى حفلات الريبع في الستينيات من القرن الماضي احتدت المنافسة، ووصلت إلى قطيعة بين قطبي الغناء في ذلك الوقت عبد الحليم حافظ وفريد الاطرش، فقد كان من المتبع آنذاك أن يغني حليم كل عام في عيد الربيع أغنية جديدة ينتظرها جمهوره على أحر من الجمر، فهو يشدو ويطرب ويداعب مشاعر الأحبة والعشاق بهذه الكلمات الرومانسية الحالمة، ظل كذلك محتكرا الساحة على مدى سنوات طوال، وفجأة وبعد غياب طويل ظهر الأطرش على الساحة الغنائية ليعيد مجده وتألقه في الطرب العربي الأصيل.
فقد اجتمع القطبان معا في ليلة واحدة هى ليلة شم النسيم ليتباريا ويتنافسا معا في أحلى وأروع ما قدماه خلال مشوارهما الفني، شدا حليم بسينما "ميامي" برائعته "زي الهوا" والتي لاقت نجاحا مبهرا، وعلى الجانب الآخر وفي نفس التوقيت وفي سينما "قصر النيل، غنى وأطرب الأطرش بروائع الفن، فقد أطربنا بأغنيته الرائعة "الربيع"، ووصل إلى السلطنة والتألق فغنى "المارد العربي" الذي يحث الأقطار العربية على الوحدة والنهوض من أجلها، تجاوب معه الجمهور ولاقى لونه الجديد استحسانا لم يكن يتخيله، سحب البساط من حليم وانقسم المستمع العربي أمام هذا الإبداع والتنافس الذي كان بلا شك في صالحه.
اعتبر حليم هذا الموقف متعمدا وأنه هو المقصود من هذا الفخ، وقامت قطيعة بينهما، توترت العلاقات إلا أن ذلك لم يستمر طويلا ففي ليلة من ليالي رمضان ذهب الفنان سمير صبري إلى منزل الأطرش بحي الزمالك، ليسجل حلقة من برنامجه "بدون إحراج" والذي كان يذاع يوميا بإذاعة الشرق الأوسط خلال شهر رمضان.
وأثناء تسجيل الحلقة بحضور الإذاعي الراحل جلال معوض وزوجته الفنانة ليلي فوزي، والموسيقار أحمد فؤاد حسن والفنانة زبيدة ثروت، مها صبري، وكريمة "فاتنة المعادي"، دخل حافظ على مجلس الحضور، وأعلن ضاحكا: "أنا جاي اتسحر"، فجرى الأطرش إليه فرحا واحتضنه، ودعا الجمع للسحور، ساعتها قال حليم: "ولا واحد هيتسحر قبل ما نسمع الأستاذ يغني"، وأخذ العود وأعطاه لفريد، وبدأ فريد يغني أغنية "يا جميل.. يا جميل" صفق حليم له وغنى معه "يا فريد.. يا فريد"، ورد عليه فريد وغنى "يا حليم.. ياحليم"، وذاب الجليد بينهما.
وعادت العلاقات إلى ما كانت عليه من تنافس شريف، وتم التنسيق بينهما ليقدما لنا روائع الفن ويشدوا للجمهور العربي أحلى الأغاني وأروع البطولات في أهم وأشهر الأفلام في زمن الفن الجميل.