أراه فى الجنة
لا أميل إلى استخدام المساحة المتاحة لى للتعبير عن مسائل ذاتية، بل أميل إلى توظيفها فى التعبير والدفاع عن قضايا عامة أراها تعلو كل شىء، ولكن استثناء من هذه القاعدة أرى أن بعضا من الخاص قد يكون فيه فائدة للقارئ يستحق أن يجنيها، فرحيل صديق العمر بالنسبة إلى أى شخص هو بمثابة رحيل جزء أساسى من روح وجسد هذا الشخص، حيث يشعر أنه قد انشطر منه الجانب الأعظم فى حياته ولم يعد باقيا لكى يعيش به سوى الشطر المتبقى. فالصديق ليس إنسانا عاديا فى حياة الشخص بل هو حياة الشخص كلها وكنزه «الاستراتيجى». ومن حسن حظ الإنسان أن يهبه شخصا يثق فيه ويتحدث إليه دون خوف، وأن يأمن له وأن يكون ذلك متبادلا وأن يغطيه وهو عريان، وأن يشجعه وهو خائف، وأن يغرس فيه الطمأنينة وهو مرتجف أو متردد، وأن يسنده إذا انكسر، وأن يحميه إذا تعرض للطعنات، فالصداقة هى النابعة من الصدق، أن تكون صادقا مع إنسان واحد على الأقل فى حياتك ليكون منهجك بعد ذلك مع الآخرين، وأن تشعر بصدقه معك، لتكون الصداقة متينة ومستمرة وأبدية. فلا ينطق لسانك إلا مع الصادق، ولا تأمن أحد على أسرارك سواه، ولا تشعر بحريتك إلا معه، ولا تشعر بخجل معه، فالقلب مفتوح عن آخره كأن الإنسان يتحدث مع نفسه، إنها فى النهاية تفاعل كيميائى بين الذات والنفس الواحدة بلا حدود أو آفاق. ولذلك لا يمكن أن تنتظر طعنة من الصديق لأنه يظل حاميا لك، ولا ينطبق على الصديق مثل هذا السلوك مطلقا.
حتى لو كان خلاف بين الصديقين قد نشب لأى سبب، وهو أمر طبيعى فى بعض اللحظات، يستحيل معه أن ينبذ أحدهما بما بينهما، وإلا ما كانت هناك صداقة. هذه هى المعانى التى ترسخت داخلى تجاه الصديق، والصداقة، ولذلك فإننى عادة ما أميز بين الصديق والزميل والجار والأخ، فكلها مستويات. فإذا أردت أن تعرف قيمة الأشخاص، يمكن أن تتعرف إلى أصدقائهم لأنهم مرآة لهؤلاء دون جدال.
كما أن الصداقة درجات لعل فى قمتها صديق العمر الذى اصطحبته مع ميلادك عند وعيك المحدود ومشوار التعليم والارتباط الوجدانى والمعنوى والتمازج الروحى، وربما سار كل شخص فى طريق إلا أن ارتباطهما يظل مستمرا دون انقطاع.
إننى أقول ذلك بمناسبة الرحيل المفاجئ على غير موعد أو استعداد أو حتى خيال، لصديق عمرى الأستاذ نبيل كامل الشال «وكيل أول وزارة الإعلام بالهيئة العامة للاستعلامات»، رحل فجأة وهو صائم وكان فى الطريق مع نجله كامل وزوجته للإفطار، فشاءت إرادة الله، فبكيته بحرارة وحزنت عليه بلا حدود، ولا يزال قلبى وروحى معه ومتأثرا برحيله إلى أبعد غاية. فقد كان لى بمثابة السند فى الحياة والروح الممتلئة بالحب والفكاهة. كان محبوبا من جميع من هم حولى فى العمل العام وكان فخورا بى مثلى تماما أينما ذهب.
كان يقدمنى كما أقدمه بالصديق، باعتبار أن ما بيننا هو نموذج من الزمن الجميل ليحتذى، ومن فرط ثقتى به أنه كان شريكا لى فى العمل العام منذ نعومة أظافرى فيه، كنا معا فى منظمة الشباب الاشتراكى فى آخر مراحلها، وشيدنا معا بمشاركة العديد من الأصدقاء نادى بهتيم الرياضى بشبرا الخيمة على مساحة عشرة أفدنة، كان يتهمنى بالغلواء فى حب الوطن ويفعل ذلك، كان يخاطبنى دائما بتوأم الروح فلم يكن له سوى شقيقة واحدة، ورغم أن لى عشرة أشقاء من الجنسين فإنهم لم يغنونى عن إضافة الصديق نبيل ليكون الشقيق الحادى عشر. وقد كان مديرا لحملاتى الانتخابية فى مجلس الشعب، عام 2000 ولم أوفق فيها وعام 2005 ونجحنا وكان يرقص فرحا مع الناس، وفى عام 2010 حذرنى لأن الانتخابات ستزور، ولكننى انحنيت أمام إرادة المجموع الذين فضلوا المشاركة، ولكنه كان حزينا على إسقاطى العمدى، فقلت له اصبر ستقوم الثورة بهذا السبب، وانفجر بركان الثورة ليشهدها ويستطعم بها حتى أراده الله أن يكون فى الحياة الآخرة. ولم أذق طعم النوم يومين كاملين بعد رحيله المفاجئ حتى جاءتنى البشرى فى الليلة الثالثة أنه فى الجنة الخضراء، فاطمأننت على صديقى رغم أننى أعيش مرارة فراقه، أدعو الله أن يجمعنا فى الجنة كما رأيته، وأن يعوضنى فى بقية مشوار الحياة من يعيننى على رسالتى الوطنية فى خدمة مصر، والله المستعان، والصبر للأسرة والعائلة والأصدقاء. ومعذرة مرة أخرى للقراء، فلو كان بيدى لافتديته بحياتى.