يعجبنى فى الدكتور عمرو حمزاوى انتصاره لقيم الليبرالية، ودفاعه عن حق التظاهر والاعتصام والمصالحة الوطنية بين كل التيارات السياسية دون إقصاء اليمين الدينى، «كلام جميل وكلام معقول لا أستطيع أن أقول حاجة عنه»، لكن حين اختبر هذه المقولات على الأزمة الطاحنة الحالية ودور كل طرف فيها، لا أجدها متسقة فى حالات كثيرة، فيبدو لى كما لو أنه يتخذ موقفا نظريا فى واقع تلزمه الحلول العملية!
فهو مثلا يستميت فى الدفاع عن عدم إقصاء اليمين الدينى، ويتهم أغلب المصريين بالفاشية ويقول بالنص فى بعض مقالاته: يتحمل «طيور ظلام المرحلة» المسؤولية عن وصول مجتمعنا إلى القابلية المرعبة الراهنة للعنف ولفاشية الإقصاء وللمعايير المزدوجة، أى أن بعضنا ممن أسماهم طيور الظلام قد سربوا إلى نفوس المصريين قبول العنف ضد اليمين الدينى وإقصائه من الحياة السياسية تماما!
ورحت أتأمل العبارة، فاستوقنى تعبير طيور الظلام، وهو تعبير درج عليه المصريون لوصف التيارات الدينية المتشددة التى تريد العودة بمصر إلى الكهف، فإذا بالدكتور حمزاوى يقذفه فى وجه تيارات مناهضة لها تحاول أن تطفو بمصر إلى نور الشمس، أما قبول العنف فقد احترت تماما فى التعامل معه، لأن اليمين الدينى يشيع العنف ألفاظا وأفعالا منذ سقوط حسنى مبارك فى فبراير ٢٠١١، من أول غزوة الصناديق «واللى مش عاجبه يهاجر ويورينا عرض أكتافه»، وجمعة قندهار، وإزالة كنيسة فى أطفيح بالبلدوزر، وقطع الطرق برا وسكك حديدية عندما عُين محافظ مسيحى فى قنا، كل هذا قبل محمد محمود وماسبيرو وحصار مجلس الوزراء، وكلها أعمال مدانة، لكننى أتحدث عن أول من أشاع العنف، ثم صاحبت قرارات الدكتور محمد مرسى وإعلاناته الدستورية الأوذعية أعمال عنف مؤيدة له، من مليونية ضد قرار المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب، ثم محاصرة المحكمة ذاتها لأكثر من خمسة أسابيع، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى، وفض اعتصام الشباب حول قصر الاتحادية ضربا وتعذيبا على يد فرق رياضية أرسلها مكتب الإرشاد، ولم تكتف بذلك، بل أمسكت بهم واستكتبت اعترافات على أنفسهم باتهامات لم يرتكبوها وتورط الرئيس فى الإعلان عنها، وهو أول رئيس دولة فى المجرة يتصرف ويتحدث وفق بيانات من شرطة ونيابة قطاع خاص إخوانية!
وبعد أحداث الاتحادية ذاع العنف بين كل الأطراف، وراح المعارضون يهاجمون مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، لكن المؤكد أن حجم السلاح والتحريض فى جانب الجماعة يتفوق بعشرات الأضعاف.
طبعا كلنا ضد العنف ولا يمكن أن نقبله لا أخلاقيا ولا إنسانيا مهما كانت مبرراته، لكن التاريخ هو جسر الفهم له، لو حاولنا جديا معالجته دون أن نلبس مسوخ الرهبان، لنبدو طيورا بيضاء أمام العالم، ولو على حساب الحقائق.. وأحيانا الوطن!
ثم نأتى إلى الإقصاء، ولا أنكر وجود أصوات هنا أو هناك تحبذ هذا الإقصاء لليمين الدينى، لكنها تظل عزفا منفردا لم يصل إلى أوركسترا مجتمعى، وقد نفهم أسبابهم دون أن نقبلها، فالجماعة هى بطبيعتها تيار إقصائى، فى كل تصرفاتها تقريبا منذ أن اعتلت السلطة، مما سبب كراهية المصريين لها وتمردهم عليها.
لكن على الجانب الآخر نجد العكس، حين نزلت الجماهير إلى الشوارع فى ٣٠ يونيو، لم تعمل على إقصاء الجماعة، الجماعة هى التى عملت على إقصاء هؤلاء الملايين من المشهد والعودة بنا إلى الخلف، وكل نداءات رجال الأحزاب والدولة ضد فكرة الإقصاء لمن لم يمارس عنفا أو يحرض عليها، ولا أذكر تصريحا واحدا من أى مسؤول عن حكاية الإقصاء هذه، يمكن من بعض الكتابات، بعض الأقوال فى الفضائيات، لكنها ليست حالة عامة، لكن عموما الجماعة -كما يعلم الدكتور حمزاوى- مثل كل الجماعات الدينية المغلقة فى التاريخ، هى بطبيعتها عنصرية، وأى عنصرية تعنى إقصاء الآخر، فهذه الجماعات تظن فى نفسها خصالا وصفات تتجاوز البشر الآخرين، ولو بذلت جهدا فى قراءة وتحليل ما يكتبونه على صفحات «فيسبوك» و«تويتر» وما يصرح به قادتهم من منصة رابعة أو غيرها، فسوف تتأكد أنهم سادة الإقصاء، ألا تذكر ما قاله المرشد ذات يوم «الإخوان أسيادكم»!
وأهيب بالدكتور حمزاوى أن ينتصر دائما للحرية والعدل وحقوق الإنسان بما فيها حق المصريين فى التقدم إلى الإمام، وإذا أردت أن تساعدهم فقدم لنا خريطة طريق عملية وممكن أن تتفاوض مع الإخوان باسمنا، وليست «تحالفا موسعا للمحاسبة من عام ١٩٨١ حتى الآن»، فالأزمة طاحنة ولن تتحمل كل هذه الإجراءات!