أقر وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بأن ما وقع فى مصر فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ هو ثورة شعبية، وأن ما حدث فى الثالث من يوليو (بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسى بطرح خريطة الطريق التى أطاحت بمرسى) هو أن الجيش أنقذ الديمقراطية ولم يستول على السلطة، كما أنها قررت سحب سفيرتها آن باترسون من القاهرة، وترشيح سفير جديد بدلا منها. تعنى هذه التصريحات والتصرفات أن واشنطن سلمت بما جرى فى مصر بفرض إرادة الشعب وتغيير النظام، وهو تسليم يمثل إقرارا واقيعا بما جرى بعد أن فشلت فى مواجهة ما جرى أو الضغط على الجيش لعدم تبنى مطالب الشعب. نعلم تماما أن واشنطن تحالفت مع جماعة الإخوان بمندوب الجماعة ومسؤول ملف الرئاسة لدى مكتب الإرشاد الدكتور محمد مرسى، أبرمت صفقة مع الجماعة تعهدت فيها الأخيرة برعاية وحماية المصالح الأمريكية فى المنطقة، وتنفيذ أجندة سياستها الخارجية فى الشرق الأوسط، ومن ثم رسمت واشنطن استراتيجية جديدة فى المنطقة على أساس أن الجماعة سوف تستمر فى السلطة فى مصر لعقود طويلة قادمة، وأنها سوف تسيطر على الحكم فى عدد كبير من دول المنطقة. تولت السفيرة الأمريكية فى القاهرة رعاية هذه الصفقة وحرصت على تقديم كل أشكال الدعم إلى الجماعة والتيار السلفى ككل، وهو ما بدا واضحا فى الزيارات المتكررة للسفيرة إلى مقرات الأحزاب الدينية، ولتردد قادة الجماعة والتيار السلفى على السفارة بشكل منتظم، بالإضافة إلى قدرة قادة الجماعة على الوصول إلى صانع القرار الأمريكى فى البيت الأبيض بسهولة لا تتاح لكبار المسؤولين من غالبية دول العالم.
سلمت واشنطن بما جرى فى مصر كرهًا، فواشنطن لا يمكن أن تخسر مصر أو الشعب المصرى، حاولت إعاقة الثورة وبذلت جهودا مضنية لإعادة حكم مرسى والجماعة، وعندما تأكدت من أن الشعب المصرى قد طوى صفحة الجماعة، تعاملت مع الواقع، مدركة فى الوقت نفسه أن الجيش الصرى بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسى كان العامل الحاسم فى نجاح الثورة وإنزال الهزيمة بالسياسة الأمريكية فى المنطقة، تدرك واشنطن أنه دون تدخل السيسى ورفضه ترويع الشعب وتعهده بتوفير الحماية، ما كانت الثورة قد نجحت، ولكانت الجماعة قد لجأت إلى العنف والتفجير والقنص لمئات المتظاهرين المصريين، فيروع الباقى ويعود سريعا إلى منزله ولا يفكر مجددا فى الخروج ضد الجماعة. أيضا قاوم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى الضغوط الأمريكية، ودخل فى منازلة سياسية من الطراز الرفيع مع الإدارة الأمريكية، كسبها الرجل الذى انتمى إلى بلده وشعبه، أدار المعركة الدبلوماسية باقتدار شديد وذكاء أبهر الدبلوماسيين الأجانب ودفع وسائل الإعلام الأمريكية إلى القول إن «السيسى أذل أوباما»، فقد كشفت وسائل الإعلام الأمريكية عن أن السيسى قاوم الضغوط الأمريكية الرهيبة التى مارستها الإدارة الأمريكية عليه كى لا يعزل مرسى، وأخرى للبحث عن حل وسط لإعادته، واستعانت فى ذلك بوزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل، الذى لوح للسيسى بقطع المساعدات العسكرية، وحاولوا استخدام قصة الطائرات الأربع من طراز «إف -١٦» لإجبار السيسى على تغيير موقفه، إلا أن الرجل أبى إلا أن يتبنى مطالب الشعب وينفذ الإرادة الشعبية. وانتهى الأمر بتسليم واشنطن بكسب الشعب المصرى الجولة بسبب تلاحم الجيش معه وتبنيه لمطالبه، لكن المؤكد أن واشنطن لن تسلم بما جرى بسهولة، فلا تتحمل انتصار شعب ولا تمتع قائد جيشه بكاريزما سبق وعانت من نتائجها، ستحاول واشنطن على مدار الفترة القامة استيعاب النظام الجديد فى مصر وسوف تشن حملات إعلامية مكثفة عبر وسائل إعلامها والغربية عامة كى تحد من شعبية الجيش وقائده الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الخطوة الأولى فى هذا المجال ستكون هوية وخلفية السفير الأمريكى الجديد الذى سيخلف باترسون، هل سينتمى إلى مدرسة بارتسون -أى مدرسة الصفقات مع تيار الإسلام السياسى.. أم سيكون دبلوماسيا خالصا يسعى إلى تحقيق مصالح بلاده ويلتزم بقدر أكبر من قراءة الواقع؟ الرسالة الأولى الدالة على توجه واشنطن تجاه مصر ستكون من خلال هوية وخلفية السفير الأمريكى الجديد، فإذا ما أتوا بشخص ينتمى إلى مدرسة بارتسون فالته سيكون عدائيا، وهنا سيكون على المصريين الاستعداد لمرحلة جديدة تقتضى تعديل فى شبكة التحالفات الإقليمية والدولية وربما تغييرها بشكل كامل.