فيما تحتدم الفتنة الكبرى وينقسم الصحابة تحت رايات القتال؛ فمِن مؤيد لمدينة العلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ومن منافحٍ عن كاتب الوحي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومن مقاتلٍ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- يأتي صوت يرد على من يسألونه الرأي في هذه الفتنة: ائتوني بالسيف المبصر، الذي يفرق بين صاحب الحق وبين أهل الباطل، حينها أقاتل، وإلا فلا.
فهل معركتنا اليوم تحتاج إلى سيف مبصرٍ؛ سواءً أكان هذا السيف قلمًا أو بندقية أو صاروخًا؟ وهل اختلط الحق بالباطل حتى صار الأمر فتنة يحار فيها اللبيب، تنتهي كما تبدأ... فقط نخسر خيرة شبابنا، ووجوه شيوخنا، وأفضل علمائنا؟
من أين تأتي الفتنة، وقد حكم الإخوان عامًا فأتوا على الأخضر واليابس، وحالفوا الأعداء، وقتلوا المؤيدين، وأطلقوا القتلة ليعيثوا في الأرض فسادًا، وحوَّلوا الدولة العامرة إلى مستجدٍ صفيق تغلق دونه الأبواب، وجعلوا أهلها شيعًا، هل تذكرون خطاب رجل المرشد إلى رئيس الكيان الصهيوني؟ هل نسي أحد جيكا وشهداء الاتحادية؟ هل نسي أحد المفرج عنهم بعفو رئاسي؟ هل تذكرون طريقة مقابلة بوتين لرجل المرشد؟ هل تذكرون إصرار رجل المرشد على وجود نوعين من المصريين؛ صالح وهذا يحبه، وطالح وهذا لا مكان له، ونوعين من المعارضة؛ رشيدة وهذه يحترمها، وشرذمة في حارة مزنوقة؟!
أين الفتنة؟ أقول لكم: انظروا في وجوه فرسان معركتنا الآن، إنها في طغيان كبار عصر مبارك، وفي الإشاعات المستخفة بعقولنا، وفي فتح الدولة لكل من هب ودب للتدخل في شئونها، وفي سكوتنا عما غضبنا لأجله، وفي ترحيبنا بمن هتفنا بسقوطه.
أيام مبارك كانت مصر تسير كما تُقدر لها أمريكا إلا قليلا تقف فيه كما تُقدر لها أمريكا؛ تذكروا: اتفاقية الجات والكويز والحرب على الإرهاب، والعولمة وعصر السماوات المفتوحة، فما الذي تغير بحلول الإخوان... وما الذي سيتغير وماكين وآشتون يسألان من يحكمنا عن تطبيق ديمقراطية الولايات المتحدة، ورجالنا يقسمون أنهم ينفذون ما يُنَزَّل لهم؟!
عشت ما مضى من عمري أتبع قلمي، ولا يتبعني، شعرًا كان أو مسرح أو مقالاً، والآن أشعر بِحِيرة لا مثيل لها؛ فالأخبار التي تتابع تترى أمامك لا تستقيم مع ما رأيت وما قرأت وما أعقل، فكيف يبيع الإخوان سيناء لحماس ودافع الثمن هو أوباما؟ وكيف نطالبهم بالانخراط في الحياة الجديدة بعد هذا الفعل الفاضح؟ كيف تتجول آشتون وباترسون هكذا في مصر سواء في عهد الإخوان او في عهد حكومة ثورة يونيه؟ كيف لمعونة تافهة تنفق عليها مصر أكثر مما تاخذ أن تجعلنا نبدو هكذا؟
ثمة حقائق غائبة، ثمة أكاذيب تُنشر بدهاء، ثمة أخطاء في اللعبة مثلاً: كيف يقول محامي من عصر مبارك: "فوضى 25 يناير" وكيف يظل وزير الداخلية هو الرجل الذي دافع بضراوة عن مبنى الإرشاد في المقطم، وترك الجماعات الإرهابية تحصد أرواح الشهداء أمام الاتحادية في اللحظة نفسها؟
أليس فينا رجل رشيد ليسأل: أين ما ثُرنا لأجله من عيش وحرية وعدالة اجتماعية؟ أليس فينا من يسأل: لماذا تربطوننا بقيود التبعية للأمريكان وغيرهم؟! لماذا تعيدون إنتاج آليات الدولة القمعية؟ لماذا تعلون الخيارات الأمنية نظريًّا؟
لا تتأثر قناعتي بعجز الإخوان عن تلبية احتياجاتنا العادية، وبخطر مشروعهم على الهوية الوطنية المصرية، وبفشلهم في إدارة الدولة لتفرغهم لتنفيذ مخطط عفا عليه الزمن وفي انصرافهم للهيمنة والسيطرة والانتقام والإقصاء، لكنني أرى أمارات دولة الفشل الأولى التي قامت ضدها ثورة يناير المجيدة...
سيقول حكيم يومًا: إن اشتدت الفتن فاتبع هدفك الأول، ولا تسقط راية قاتلت تحتها وهتفت: "عيش... حرية... عدالة اجتماعية..."