عالم السياسة هو عالم سفلي قذر, تتشابك فيه المصالح وتتقاطع ولا ينتهى طموح التضاد عند حد حتى لو كان التحالف مع الشيطان, فيصبح بقدرة قادر عدو الأمس هو حليف اليوم.
كنا نختلف ونتفق ونتحاور ونتجادل, وفى النهاية نصل إلى اتفاق وليس وفاق, والفرق بين المعنيين كبير, فتراكمت الخلافات وتطورت لتصبح نسيجا شيطانيا اخترق النسيج الوطني بخطا ثابتة, من كان يتصور مثلا أن السيد عبد المنعم أبو الفتوح الذي ملأ الدنيا صخبا وتنظيرا بأنه ضد سياسة الإخوان والتمكين أصبح الآن هو المرشد الحقيقى لهم, وهو ذو الكلمة المسموعة لدى التنظيم الدولي للإخوان وله فيها شأن كبير, فمن كان يخدع أبو الفتوح طوال هذا الوقت؟ ولماذا يتلون حسب الحاجة والضرورة ؟.
الكثير من الأبواق تتشدق هذه الأيام بحرمة الدم وأنهار الدماء التي ستُسال فيما لو فضت اعتصامات النهضة ورابعة بالقوة, بمن فيهم بعض النخب المتسلقة سياسيا وأدرجت نفسها في القاموس السياسى تحت شعار براجماتي صرف لا يمت لشرف الكلمة بصلة, وأقول لهولاء: هل لديكم من الحلول السحرية ما يمكن اقتباسه لفض هذه الاعتصامات التي لم تكن سلمية يوما ومنذ البدء فيها؟ ولا يعني ذلك أننا نوافق على إراقة الدماء, لكن طفح الكيل وفاض, ففي مثل هذه الأيام في شهر رمضان من العام الماضي كلف الرئيس المعزول محمد مرسي الشرطة وبمعاونة الجيش بفض الاعتصامات من الميادين وفرض القبضة الأمنية على الطرق التي تشهد مظاهرات واحتجاجات مناهضة له ولجماعة الإخوان المسلمين, وذلك خلال خطابه الشهير في احتفالية ليلة القدر.
الرئيس المعزول قال في خطابه نصًا: «لابد أن يعيش الناس في أمن واطمئنان, وهذه مسؤوليتي ولابد أن يحصل الناس على حاجاتهم اليومية وهذه مسؤوليتي», وأضاف في خطابه: «وجهت المسؤولين في الشرطة ومعاونة رجال الجيش لمواجهة جريمة قطع الطرق».
فهل ما يحدث الآن في رابعة والنهضة حلقات درس وأذكار لا تمت لقطع الطرق وترويع المواطنين بصلة, أو حتى تمثل تهديدا صريحا للأمن القومي المصري ؟!
إن الأمر المستغرب وغير المفهوم صواريخ التصريحات التي تنطلق من أفواه السياسيين الذين يدركون جليا مدى الخطورة التي تكمن وراء استمرار تلك الاعتصامات وقطع الطرق وتعطيل عجلة الإنتاج, وقد جاءت تصريحات الدكتور محمد البرادعي محيّرة إن لم تكن صادمة, حينما أعلن أنه سيستقيل من منصبه إذا أريقت نقطة دم واحدة أثناء فض الاعتصامات الإخوانية, وهم الذين يتحصنون يوما بعد يوم في أماكن تواجدهم بل ويوسعون رقعتها, في تحد سافر لهيبة الدولة ومؤسساتها, ثم يعود ويصرح برغبته في العفو عن الرئيس المعزول محمد مرسي! وكأنه بهذه التصريحات يغازل الغرب على حساب مشاعر الملايين الذين خرجوا في 30 يونيو.
فما هو تصور الدكتور البرادعي لإنهاء هذه المهزلة بعيدا عن إراقة الدماء؟ وهو يعلم أن الإخوان يتعمدون تصدير الأطفال والنساء كدروع بشرية يحتمون بها وقت الضرورة, فما هو الحل وما هو تصوره لإنهاء معاناة المواطنين القاطنين في تلك المناطق, وقد أصبحوا هم المحاصرين في بيوتهم وتمارس عليهم أحكام الإقامة الجبرية رغما عنهم, مروعين في حياتهم وكل يوم تلقى عليهم جثة عليها آثار التعذيب كيف ولماذا لا أحد يعلم؟ إن الأيدي المرتعشة لا تصنع حاضرا ولا مستقبلا للبلاد.
ومن منصة إطلاق صواريخ القادة السياسيين, إلى منصة صواريخ نشطاء الثورة المتموجين فى رغد التصريحات الرنانة, فهذا أحمد دومة الذى التحم مع قضيته خيرة شباب مصر, لرفع الظلم عنه في قضايا لفقت له في عهد الإخوان, وهو الذي انشق من عباءتهم في وقت ما, فظهرت تصريحاته الصادمة على اليوتيوب وهو يتباهى بأنه شارك في حرق المجمع العلمي في أحداث مجلس الوزراء, ويسوق الذرائع والتبريرات الخادعة إذ يعتبر أن إلقاء المولوتوف على رجال الشرطة دفاعا عن النفس هو شرف لا يدعيه وليذهب التراث العلمي إلى الجحيم في مقابل ذلك!.
كيف يمكن أن نصدق هؤلاء بعد ذلك ونثق في رؤيتهم النضالية ؟!
نحن نعيش الآن في أصعب مراحل التاريخ إذ التبس الحق بالباطل, وأصبح التخبط هو المتسيد للمشهد فانصهرت الحقائق في بوتقة التضليل, وأصبنا بصداع سياسي عنيف ومزمن لا تستطيع مسكنات العالم كله معالجته أو التخفيف من وطأة آلامه.