الفرق بين الخلاف والاختلاف شاسع، رغم تشابه النقطتين، فالاختلاف طبيعى، وقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس شعوباً وقبائل، ولو أراد أن يكونوا شعباً واحداً لفعل، ولكن بقية الآية فى القرآن الكريم أنه خلقهم شعوباً ليتعارفوا، أى ليتعايشوا، رغم الاختلاف، أو بلغة السياسة الصراع السلمى بين مختلف الاتجاهات السياسية.
أما الخلاف فيعنى تحويل الصراع السياسى إلى انشقاق قد يؤدى إلى صراع مسلح، أى حرب أهلية تدمر كل شىء، وما الديمقراطية إلا تنظيم للاختلاف، حتى لا يتحول إلى خلاف، والتعايش مع الاختلاف والقبول بوجود وجهات نظر أخرى والحوار معها ليس مسألة بسيطة كما تبدو للوهلة الأولى، وإنما هى أصعب وأشق الأمور على كل إنسان، وتحتاج إلى تعليم وتدريب وممارسة، وهى الهدف الاستراتيجى لمناهج التعليم فى النظم الديمقراطية.
يقول المسيح عليه السلام: وكل مسلم يؤمن بنبوة المسيح ومعجزة ميلاده العذراوى، «وما الفضل لك إذا أحببت من يحبك»، وتوقف طويلاً عند هذه الحكمة الشاملة العميقة، وحاول أن تحب من لا يحبك، لتكون إنساناً حقيقياً، والأصل أن الإنسان خلق فى أحسن تقويم، قبل أن ينزل إلى أسفل السافلين، كما يعلمنا الخالق فى القرآن الكريم، حاول أن تعود إلى أصلك ، أو بعض منه، وتقاوم وجودك فى أسفل السافلين.
قد يبدو هذا المقال خطبة جمعة فى وقت تدور فيه المعارك المسلحة فى أغلب مناطق مصر، ولكن إذا لم يرتفع صوت أنصار السلام فى وقت الحرب، فمتى يرتفع؟! وهذا هو تفسيرى لموقف ذلك الرجل العظيم محمد البرادعى الذى فجر ثورة 25 يناير من أجل الحرية والديمقراطية، ويؤكد كل يوم أنه جدير بحمل جائزة نوبل للسلام، أعظم جوائز العالم. إنه يهاجَم من أنصار الإخوان ومن أنصار 3 يوليو معاً، وينطبق عليه قول «سارتر»: «اليمين ضدى واليسار ضدى، فأنا إذن على حق».. إنه من صناع 3 يوليو، ولكنه لا يريد أن يصبح أنصار الإخوان أعداء 3 يوليو، ولا أن يصبح أنصار 3 يوليو أعداء الإخوان.
وقد يبدو هذا المقال متعارضاً مع مقال الأربعاء الماضى فى نفس هذا العمود، والذى طالبت فيه بإعلان حالة الطوارئ وتطبيق قانون الطوارئ، وهو ما لا يطالب به البرادعى، وربما لا يطالب به أحد كنوع من «المثالية»، الديمقراطية، والاحتفاظ بنقاء وهمى فردى لا يتلوث بما يفرضه الواقع، ولكنه اختيار بين قانون الطوارئ وغياب كل القوانين أو الفوضى.
الطوارئ من أجل الوطن، وليس لمواجهة فصيل سياسى يسمى الإخوان أو الإسلام السياسى، الطوارئ ضد من يحمل السلاح أياً كان من يموله، وليس ضد من يؤمن بأى أفكار أياً كانت هذه الأفكار، وأى فصيل سياسى يحمل السلاح يعنى تلقائياً أنه لم يعد سياسياً، وإنما يريدها حرباً أهلية، برنامج 3 يوليو يدعو للحوار بين الجميع، ولكن ما العمل إزاء من يرفض الحوار ويحمل السلاح غير قانون الطوارئ؟!