هناك جريمة يتم تدبيرها هذه الأيام، بدأت منذ ثورة المصريين في الثلاثين من يونيو، هذه الجريمة هي محاولة تدويل الأزمة الحالية بين جماعة الإخوان والشعب المصري. بدأت الخطوط الأولى لهذه الجريمة مع تهديد الرئيس السابق بالاستعانة بحلفائه الأمريكيين في ذلك الوقت، واستمرت مع مظاهرات رابعة التي نجد فيها بعض الشعارات مكتوبة باللغة العربية أحيانًا، في حين أن اللغة السائدة في هذه اللافتات هي الإنجليزية ولغات أخرى. وقد تفاعل الأمريكان والأوروبيون مع الدعوة الإخوانية وقرروا أن يمارسوا العمى الاختياري، فقرروا ألا يروا إلا المعتصمين في رابعة، ولم يلفت نظرهم كثيرًا ملايين المصريين الآخرين الذين ملأوا شوارع مصر وميادينها.
وهكذا شاهدنا المبعوثين يأتون إلى مصر يلتقون بالرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، ثم بعد ذلك يطلبون لقاء الرئيس السابق وممثلي الإخوان في رابعة. خلقوا واقعًا ليبدو المشهد وكأن هناك مجتمعًا منشقًا على نفسه وأعطوا للإخوان حجمًا أكبر بكثير من حجمهم الحقيقي.
ما يحدث الآن هو بذل كل الجهد لإعاقة حسم الوضع على الأرض بفض الاعتصام ووقف الاعتداءات الإخوانية على المصريين، هذه الإعاقة تسمح بتصوير الوضع على أن هناك أزمة حقيقة غير قابلة للحل على أيدي المصريين، مما يستدعي تدخلا دوليًا للحل، وقد بدا هذا منذ الاتصالات المبكرة للمسؤولين الغربيين والأمريكيين بالمسؤولين المصريين لحثهم على «ضبط النفس»، وبالتوازي يعطون شرعية زائفة لـ«إمارة رابعة».
قبل أن أعرض لما تم حتى الآن من محاولات تدويل الأزمة أبادر بعرض ما يدور الآن على الأرض في إطار تنفيذ هذه الجريمة التي يشارك فيها للأسف أطراف مصرية مسؤولة توقعنا منها تصرفًا مختلفًا يحفظ للدولة هيبتها وللوطن سيادته. ما يحدث الآن هو محاولة تشكيل لجنة دولية للوساطة بين الدولة المصرية من طرف وجماعة الإخوان من طرف آخر، هذه اللجنة تتكون من ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات، وشهدت الأيام الماضية اتصالات مكثفة بالدولتين العربيتين وضغوطًا من أجل إقناع المسؤولين فيها بالمشاركة في اللجنة، وهو الأمر الذي لم ينجح حتى كتابة هذه السطور. المبادرة المطروحة لحل الأزمة كما يراها الأمريكيون وبالتبعية الاتحاد الأوروبي تتلخص في النقاط التالية:
- خروج آمن لمرسي بعد تقديم استقالته والسفر إلى دولة في الغالب قطر
- العفو الشامل عن الجرائم السياسية لأعضاء الجماعة، وإعادة دراسة وضع الذين تمت إحالتهم للنيابة في تهم غير سياسية، والإفراج عن أسماء يتم تحديدها من قيادات الجماعة
- فض الاعتصامات وضمان عدم الملاحقة الأمنية لعناصر الجماعة أو المشاركين في الاعتصامات
- وقف الحملات الإعلامية على الجماعة
- السماح للجماعة بالمشاركة في العملية السياسية كاملة، تعديل دستور، انتخابات برلمانية ورئاسية
- الإفراج عن رؤوس أموال الجماعة التي تمت مصادرتها
هذه هي الملامح الرئيسية التي في جعبة الغرب ليطرحها للتفاوض حولها، وهنا يجب أن أقول إن أي حكومة أو مؤسسة أو مسؤول يوافق على هذه اللجنة هو مشارك بشكل كامل في جريمة ضد مصر وطنًا وشعبًا، ليس لشخص كان الحق في أن يسلب المصريين حقهم في الاختيار لأن جماعة تآمرت مع قوى دولية وجدت مصلحتها في هذا التعاون فقرروا أن يخلقوا أمرًا واقعًا مناقضًا للحقيقية.
الخطة منذ البداية كما أقرها تنظيم الإخوان هي محاولات جر الجيش إلى مواجهات دامية لن تتوقف على أغلب الظن، لأن مثل هذه المواجهات ستكون كفيلة باستمرار الاهتمام الدولي بالوضع في مصر. والمهم بالنسبة للجماعة والتنظيم الدولي إبقاء الأزمة المصرية ساخنة بل ملتهبة، والعمل على تدويلها بإدخال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، حتى صندوق النقد الدولي على مسار الأحداث، وخلق تحالف دولي ضد ثورة المصريين. وبالتالي جاءت التوصية من قيادة التنظيم بالاستمرار في الشارع مع ما يعني ذلك من استبعاد سيناريو الاستسلام لما تم، والبناء على الانتقادات الدولية وتطويرها لتصبح تدخلا مباشرًا.
وقد حاولت قطر من خلال أميرها الجديد أن تطرح مبادرة بالاشتراك مع تركيا «لاحظ من هما الطرفان) لحل الأزمة، كما يروها، وقد رفض المسؤولون المصريون مجرد إتاحة الفرصة للأمير الجديد لعرض تفاصيل مبادرته الغريبة الوقت والنية.
الإمارات والسعودية مواقفهما من الثورة المصرية كان موقفًا إيجابيًا للغاية وترك أثرًا عميقًا في نفوس المصريين، وبالتالي فإن موقفهم من محاولة التدخل الأجنبي من خلال لجنة دولية يكونوا هم من بين أعضائها، لكن الحقيقة أنهم مجرد غطاء للتدخل، أقول إن موقفهم يدرك هذه الحقيقة وهم رافضون للمشاركة ورافضون لفكرة اللجنة ذاتها وللتدخل الدولي، لكن الدور الرئيسي هنا يقع على عاتق الحكومة المصرية التي ينبغي أن تختار الانحياز للناس الذين قاموا بهذه الثورة، أن ينحازوا لتأكيد سيادة الدولة، أن يرفضوا أي تدخل أجنبي يساوي بين مجموعة ممن اختاروا الخروج على الجماعة الوطنية وإعلان الحرب على كل المجتمع، وإما أن يحكم أو يدمر الوطن ومن فيه.
لم يعد مقبولا أن يأتي السياسيون الغربيون فيلتقون بالرئيس المؤقت ونائبه ورئيس الحكومة ووزير الدفاع ثم بعد ذلك يتوجهون إلى رابعة للقاء قيادات الجماعة وإجراء مفاوضات أو مباحثات معهم. ليكن واضحًا أمام كل مسؤول أجنبي يأتي إلى مصر أن يلتزم باحترام الدولة ورموزها، لا يمكن المساواة بين شرعية الشعب وبلطجة فرض الأمر الواقع، من يريد أن يزور رابعة من السياسيين الأجانب فليأتي كسائح وليذهب إلى أي مكان يرغب، لكن أن يتم ذلك من خلال الدولة المصرية وبتسهيلات منها فهذا أمر غير مقبول.
لا أشكك في نوايا المسؤولين الذين شجعوا ووجهوا الدعوات للتدخل في شأن الدولة المصرية وطلبوا من مسؤولين غربيين مثل آشتون زيارة مصر والتدخل لحل الأزمة بين الطرفين. قد يكون هذا تم بحسن نية وبعدم إدراك لحساسية مثل هذا السلوك على المصريين، ولكني أظن أن عليهم أن يعيدوا حساباتهم ويحاولوا أن يقتربوا من المصريين الحقيقيين الذين يشكلون الأغلبية العظمى، وأن يكون في أذهانهم هؤلاء المصريين لا أصدقاءهم الغربيين.
أما ما أقوله في هذا المجال للفريق السيسي الذي غير كل عناصر المعادلة وخلق حالة جديدة بين المصريين لأول مرة منذ عشرات السنين، أقول له ولجيشنا الوطني، لقد اخترتم الوقوف مع شعبكم وكان قرارا وطنيا، لذلك لا أتوقع أن تسمحوا بأي شكل وبأي ثمن لتمرير تنفيذ هذه الجريمة، جريمة تدويل الأزمة. العالم لا يعرف إلا الأقوياء وأنتم امتلكتم هذه القوة بكونكم جيش الشعب وحامي الوطن. أحد أهم ملامح القوة أن تتمكن من فرض واقع على الأرض تجبر الآخرين على التعامل معه والاعتراف به ولو بعد حين. قوتكم من دعم شعبكم لكم، وللدعم مطالب يجب تلبيتها.