ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل من ينجح يستحق، هناك عوامل أخرى تلعب دورها تؤدى إلى اختلال المعادلة، ترفع هذا إلى سابع سماء وتطيح بذاك إلى سابع أرض.
موهبتها محدودة، ورغم ذلك فإن النجمات يفرضنها على المخرج فى دور الأم أو الصديقة الكبرى، حيث يشعرن بأنها تحقق لهم الاطمئنان إلى أن عين المتفرج لن تذهب بعيدًا عنهن، وهكذا تنتقل من عمل فنى إلى آخر، نعرف جيدًا أن النجمات الكبار بداخل بعضهن كراهية ضد بعض، كيف إذن استطاعت أن تقنع كل واحدة منهن بأنها الأقرب إليها؟ هذا هو فى الحقيقة أحد أسرار بقائها فى الدائرة الفنية، وهى لا يمكن أن تبوح بالسر.
أخذ عشرات من الفرص لكى يصبح نجمًا كوميديًّا، ولكن الناس لم تشعر به أبدًا ولم ينجح فى انتزاع أى ضحكة طوال مشواره، زملاؤه أصبحوا نجومًا وهو محلك سر، إلا أن المفاجأة هى أنه لا يزال مطلوبًا فى السوق ويحرص كل رفقاء الطريق على أن تُسنَد إليه أدوار بجوارهم لأنهم متأكدون أن حضوره أمام الكاميرا مثل غيابه سوف يؤدى إلى أن يتطلع المتفرج إليهم، فهو بالنسبة إليهم مجرد سَنِّيد ثقيل الظل دوره الحقيقى هو تسخين الجمهور لكى ينتظر طلتهم على الشاشة، وهكذا يحتكرون بمفردهم كل الإفيهات والضحكات، من المؤكد أنه مدين لثقل ظله بوجوده على الشاشة.
أتذكر أن القدير عادل أدهم كان يواجهه دائمًا هذا المأزق، فهو بمجرد أن ينطق بل وقبل أن ينطق الحوار يسرق عين المشاهد بهذا الوهج الخاص، فكان بعض النجوم يتحفظ على ترشيحه بجوارهم ويبذل كل جهده لإقصائه عن الكادر ويبحث عن المطفَئِين ليأنس بوجودهم.
فى الحياة دائمًا تنويعات مماثلة عن صحفيين وإعلاميين تتضاءل مواهبهم ولكنهم مرحَّب بهم فى إطار معادلات متشابهة تحيل الموهبة إلى لعنة على أصحابها.
يخلق الله الكائنات الحية ولديها قدرة على مقاومة كل أسباب الفناء.. نرى عادة أسلحة الحماية تتمثل فى غطاء السلحفاة وسرعة أقدام الغزال وقدرة القرد على تسلق الأشجار وأشواك القنفد، وفى دنيا البشر قد نرى أسلحة الضعف التى تحيل كل أسباب الفناء إلى عوامل دافعة إلى البقاء!
فى دنيا الإبداع مثلًا قد يعتقد البعض أنه كلما ازدادت كفاءة الممثل أو الكاتب أو المخرج أصبح مطلوبًا أكثر فى السوق الفنية، ومع الأسف هذا لا يحدث دائمًا.. لو تتبعت مثلًا ما يجرى فى عالم المسلسلات فستكتشف أن المخرج المطلوب فى السوق هو أولًا المطيع للنجم ينفذ فقط أوامره ولا يقول له «بم»، وهو ثانيًا القادر على إنجاز وتصوير عدد أكبر من الدقائق فى اليوم، وهكذا ظهر فى سوق الدراما تعبير «بريزة» و«صفيحة»، البريزة تعنى تصوير 10 دقائق والصفيحة 20 دقيقة فى اليوم، لهذا فإن الأقل إبداعًا واهتمامًا بالتفاصيل القادرون على أن يتحولوا إلى أتباع للنجوم والنجمات ولشركات الإنتاج هم المطلوبون أكثر، قد تكتشف أن نجمًا كبيرًا يصر على اختيار مخرج ما لكل أعماله الفنية، للوهلة الأولى تعتقد أن هذا المخرج يحقق له أعلى درجات الإبداع وأن بينهما توافقًا فنيًّا وكيميائية إبداعية بينما النتائج على الشاشة تقول شيئًا آخر وكواليس هذا المسلسل تؤكّد أن النجم هو الذى كان يوجه المخرج وأن الوظيفة الحقيقية له هى تنفيذ تعليمات النجم!
نجاح وجه جديد عبر الشاشة قد يؤدى إلى استبعاده من المشاركة فى التمثيل أمام نجم يرى أنه من الممكن أن يسرق منه الكاميرا بينما إذا تأكد أنه غير قادر على المنافسة فإن هذا وحده كفيل بأن يتيح له مزيدًا من الأدوار. الفنانة القديرة كريمة مختار قبل 6 سنوات تألقت فى دورها «ماما نونة» فى مسلسل «يتربى فى عزو»، منذ ذلك الحين وهى لا تجد مساحة درامية فى عمل فنى آخر يستوعب كل هذه الطاقة التعبيرية.
فى كل المجالات تمنح الموهبة قوة لصاحبها تمكنه أن يقول لا فى وجه منتج أو مخرج أو نجم جائر، بينما عديمو الموهبة يدركون أن قوتهم الحقيقية تأتى من قدرتهم على الخضوع بلا أى شروط مسبقة سوى الإمعان فى حالة الخنوع.. وفى دنيا السياسة ستكتشف أن من يقرأ شفرة الشارع ويضبط موجته عليها هو الذى يسوّق نفسه كرجل للمرحلة، رغم أنه لم يكن يومًا صاحب موقف ولكنه فقط يجيد الرقص على إيقاع الناس، إنه زمن الخفوت!