أول ما يتوجب على اللجنة القانونية لوضع مسودة مشروع التعديلات الدستورية أن تقوم به، هو أن تشطب بجرة قلم على المواد التى تتعلق بمجلس الشورى من الدستور، إذ المؤكد أن اللجنة تعرف- كما يعرف كل من يعنيه أمر الدستور من المصريين- أن إلغاء هذا المجلس كان على رأس مطالب الإصلاحيين منذ تأسيسه فى عام 1980، لهدف واحد، هو أن يحل محل اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى التى ألغيت آنذاك، فى ممارسة حق الملكية على المؤسسات الصحفية القومية، المملوكة للدولة ملكية خاصة، وهو ما يعنى أن ينوب عن الحكومة فى تعيين رؤساء مجالس إدارات هذه المؤسسات، ورؤساء تحرير المطبوعات التى تصدر عنها، ونصف أعضاء مجالس إداراتها، وأكثر من نصف أعضاء جمعياتها العمومية، وهى مهام لا تتطلب إنشاء مجلس طويل عريض يضم 270 عضواً، ينتخب ثلثاه بالاقتراع السرى العام، ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقى، وتنفق عليه الدولة من المال العام مئات الملايين من الجنيهات كل دورة من دورات انعقاده، فى صورة نفقات إجراء الانتخابات، ومكافآت ومزايا للأعضاء وللجهاز الإدارى الضخم الذى يدير هذا اللغو الدستورى الذى لم تستفد مصر منه، على امتداد ما يزيد على عشرين عاماً، شيئاً له قيمة.
والمؤكد أن اللجنة تتذكر، كما يتذكر من عاصر هذا الفصل الهزلى من تاريخ الحياة الدستورية فى مصر، أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يفكر فى إنشاء مجلس يسميه «مجلس العائلة المصرية» يضم ممثلين للنقابات العمالية والمهنية والجمعيات العاملة فى المجال الاجتماعى ورجال الدين، ليكون بمثابة مجلس يعمل على صياغة ما كان يسميه «أخلاق القرية».. يقول لكل من يتجاوز حدود هذه الأخلاق: «عيب»، وكان يقصد بهم تحديداً، من يتطاولون على شخصه ويعارضون أسلوب حكمه.. وينددون بفساد الإدارة فى عهده، وطلب من ورشة ترزية القوانين فى إدارته، أن تقيّف له قانوناً باسم «قانون العيب»، فأسقط فى يدها، ولفت بعضهم نظره إلى أن هذه التسمية قد توحى بأن القانون ينظم ممارسة المصريين العيب، وبعد مناقشات مجهدة، انتهى الأمر بموافقته على تسميته قانون «حماية القيم من العيب» وعلى الفصل بين القانون وفكرة إنشاء «مجلس العائلة المصرية»، ليتحول إلى مجلس باسم «مجلس الشورى»، يختص - كما جاء فى التعديلات التى أدخلت عام 1980 على دستور 1971 - بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بالحفاظ على مبادئ ثورتى 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971، ودعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وحماية تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والواجبات والحريات العامة وتعميق النظام الاشتراكى الديمقراطى وتوسيع مجالاته.
وهو كلام إنشائى يحفل بالتناقضات، ليس فقط لأن مبادئ ثورة 15 مايو 1971 كانت تتناقض مع مبادئ ثورة 23 يوليو 1952 - ولكن - كذلك - لأن تحالف قوى الشعب والمكاسب الاشتراكية والنظام الاشتراكى الديمقراطى كانت قد انهارت كلها قبل تأسيس المجلس، الذى لم يمنحه الدستور أى اختصاصات تتصل بالمجالس التشريعية إلا مجرد «إبداء الرأى» - وليس الموافقة - فى الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور، ومشروعات القوانين المكملة له، وما يحيله رئيس الجمهورية إليه من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة.
وهى اختصاصات لم يمارس منها المجلس إلا القليل، إلى أن أدركته تعديلات الدستور عام 2007، التى حذفت من اختصاصاته دوره فى الحفاظ على مبادئ ثورتى يوليو ومايو، وفى حماية تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية، وجعلت موافقته ملزمة على الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور ومشروعات القوانين المكملة له، مما نصت عليه 33 مادة من مواده، وقصرت حقه فى إبداء الرأى على مشروع خطة التنمية وما يحيله إليه رئيس الجمهورية، وكان وراء التوسع فى اختصاصات المجلس نفوذ رئيسه آنذاك «صفوت الشريف» فى السلطة.
وكان الاتجاه السائد لدى الرأى العام عشية البدء فى وضع دستور 2012 ينحو إلى المطالبة بإلغاء مجلس الشورى، باعتباره زائدة دستورية لا فائدة منها، وعبّر هذا الاتجاه عن نفسه بعزوف معظم الأحزاب عن خوض معركة انتخابات المجلس التى جرت فى بداية هذا العام، وعزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم فى تلك الانتخابات، باستثناء الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامى التى فازت بأغلبية المقاعد فى المجلس.
وما كاد حكم المحكمة الدستورية ببطلان القانون الذى انتخب على أساسه مجلس الشعب، وبحل المجلس يصدر، حتى تحمست هذه الأحزاب فجأة - ليس فقط لوضع نصوص دستورية تبقى على مجلس الشورى، بل - كذلك- لوضع أحكام انتقالية تبقى عليه بتشكيله الذى أسفرت عنه انتخابات 2012، لتضمن وجود مجلس تشريعى يعطيها الحق فى الزعم بأنها تمثل الأغلبية البرلمانية، مع أن الإعلان الدستورى الذى انتخب على أساسه المجلس لم يكن يعطيه أى سلطة إلا إبداء الرأى فى موضوعات محددة، ومع أن معظم أعضائه لم يكن يتوفر فيهم شرط الحصول على إحدى شهادات التعليم العالى الذى أضافه دستور 2012 إلى شروط العضوية، ومع أن مجلس الشورى - طبقاً لدستور 2012 - ليس مجلساً تشريعياً كامل السلطات، إذ ليس من حقه اقتراح القوانين، أو تقديم أسئلة أو طلبات إحاطة أو استجوابات للحكومة، أو التصويت على طرح الثقة بها أو بأحد وزرائها، وتنحصر سلطته فى الموافقة على مشروعات القوانين التى تقدمها له الحكومة، ثم إحالتها إلى مجلس النواب، فإذا اختلف المجلسان، وتعذر التوفيق بينهما حسم مجلس النواب الأمر وحده!
خلاصة الكلام أن مجلس الشورى زائدة دستورية أقحمت على الدستور لأسباب لا صلة لها بالديمقراطية ولا بالذوق الدستورى السليم، واختصاصاته الواردة فى دستور 2012 اختصاصات تبلغ من التفاهة حداً يجعل ما أنفق عليه خلال الأعوام العشرين الماضية، إهداراً للمال العام، يتطلب إيقافه فوراً، بإلغاء كل المواد التى تتعلق به من الدستور!