وطننا مصر يمر الآن بأصعب وأشق وأعقد وأدق مرحلة فى تاريخه، مرحلة يحارب فيها التطرف والعنف والإرهاب والتبعية أيضا، فلأول مرة، منذ سنوات طويلة، يتحرر الوطن من تبعيته إلى كيان آخر.
الزعيم جمال عبد الناصر، أول زعيم التفَّ حوله الشعب المصري بمعظم طوائفه (وليس كلها بالطبع)، تحرر من التبعية للإنجليز والأمريكان، ولكن مقابل تبعية ضمنية للاتحاد السوفييتى. ثم جاء السادات، ليخرج من التبعية السوفييتية، ويمتلك إرادة مصر لسنوات، حققت خلالها نصر أكتوبر العظيم، قبل أن يسقط فى التبعية الأمريكية، وليسير النظام الأسبق على نهجه، وليتعمق نظام الإخوان فى هذا النهج حتى النخاع، ظنا منهم أن التبعية الراكعة الخانعة لأمريكا، هى ضمانة بقائهم فى الحكم.
ومن باب التشبث بالبقاء، مرمغوا رؤوسهم فى تراب أحذية إسرائيل، باعتبارها الابن المدلل لأمريكا، وما دامت دلوعة ماما راضية، فماما سترضى وتحمى وتعتنى، ولكى يضمنوا الاستيلاء على السلطة للأبد، تآخوا مع حماس، وكل الجماعات التكفيرية والجهادية، تمهيدا لاحتلال مصر، إذا ما حاول الشعب لفظهم يوما، ولأنهم لا يؤمنون بالوطن، ولا بمصر كلها، التى قالوا عنها، خرست أفواههم، (طظ)، فقد انشغلوا عن معاناة شعب مصر (غير الإخوانى)، بلعبة السيطرة والتمكين، لكل ما هو إخوانى، ولأنهم فى سبيل هذا عادَوْا كل الوطن ومؤسساته، فى بجاحة ووقاحة ما لهما من مثيل، فقد لفظهم الوطن، وخرج بالملايين ليلفظهم ويرفض حكمهم، ولأنهم لا يؤمنون بالوطن، أو بشعب هذا الوطن، لم يقبلوا هذا، وأعلنوا الحرب على الوطن، بجيشه وشعبه وشرطته وقضاته وإعلامه، وكل مؤسساته، وإذا ما تصور البعض أنهم مذعورون من الشعب والجيش والشرطة فهو مخطئ، إنهم مذعورون من أمر أخطر وأكثر تأثيرا ألف مرة.
إنهم مذعورون من أن مصر ظهر فيها زعيم، ولأول مرة، منذ عقود وعقود، يولد فى مصر زعيم، يلتف حوله الشعب، ويؤمن بصدقه، ويمنحه ثقته، ويلبى نداءه، فمنذ عقود من رفض الأنظمة السابقة، كنا نقول دوما إن ما ينقص شعب مصر هو الرمز، الذى يلتف حوله الشعب، وخلال حديث تليفزيونى، منذ أكثر من عام، سألتنى مذيعة، ليست ساخنة كأسألتها (مع عدم الاعتذار لوزير الإعلام السابق)، لماذا لا توجد فى مصر زعامة، ومن فى رأيى يمكن أن يكون الزعيم القادم؟! يومها لم أقل لها (إبقى تعالى وأنا أقولك) مع عدم الاعتذار لأبو عين زايغة ووقاحة غير دبلوماسية السابق، بل أجبتها بأن الظروف والأحداث ستنتخب الزعيم القادم، وأنه سيكون شخصا لم يظهر فى الصورة بعد، وكان أكثر ما يطمئن الإخوان ويشعرهم بالقوة، هو أن خصومهم ليسوا متفقين على زعامة واحدة، وأن الشعب لا يلتف حول قائد واحد، مما جعلهم يطغون ويستبدون ويستعلون ويتجبرون ويسقطون، ولكن هناك فئة من شباب مصر، وهى ليست فئة كبيرة ولله الحمد، ترتدى على عينها عصابة سوداء من جانب واحد، مثل تلك التى كان يرتديها القراصنة، والتى كانت سمة مميزة، لوزير الدفاع الإسرائيلى السابق موشى ديان، فيرون كل الأمور بعين واحدة عوراء، والمشكلة أن العين المغطاة بالعصابة هى العين المتفائلة المنشرحة، والعين التى يرون بها هى عين الغضب والحنق والسخط على كل شىء وأى شىء، ربما لأن بعضهم يعانى من تسلط أبوى، جعله يبغض السلطة بكل صورها، أو لأن نظرته العوراء تنظر إلى جانب واحد من كل أمر، فتختل الصورة فى نظره، وترتبك الرؤية فى عقله، هذا النوع، صاحب الفكر الأعور، مستفز بشدة من مولد زعيم التف حوله الشعب.. وللحديث بقية.