انظر إلى أربعين رجلاً يمثلون كل قبائل قريش وقد أجمعوا أمرهم على قتل محمد، صلى الله عليه وسلم، الذى زلزل قريتهم برسالته، يتقدمهم عمه أبوالحكم، أو أبوجهل، وقد اصطفوا حول منزله انتظارا لخروجه وقتله، للخلاص منه ومما فعله فى دين آبائهم، ومساواته بينهم وعبيدهم، فلما طال انتظارهم لخروجه، سأل أحدهم لماذا لا نقتحم عليه داره، وكان السؤال منطقياً، إذ ما الذى يمنع من يريد قتلا، أن يقتحم منزل الهدف، خاصة أن المنازل فى ذلك الحين لم تكن عصية على الاقتحام، بل يكفى أن يضربها أحدهم بيده لتنهار لأنها من الطوب اللبن، لكن إجابة أبوالحكم على السؤال كانت قاطعة حاسمة «ويحكم، ألا تخشون بناته، إن لم تكشفوهن روعتموهن»!
إنها أخلاق قريش فى الجاهلية التى كانت تمنع أبناءها من الخطأ رغم أنه لم يكن هناك قانون سوى قيم العرب، ولا حاكم إلا سادة القبائل، ولا وثائق إلا عهد يتخذ فى أى من أندية تلك القرية ويعلق على جدار الكعبة، يريدون قتل محمد، لكنهم لا يقدرون على اقتحام منزله خوفاً من كشف بناته فتصبح سبة على جبينهم تطاردهم أبد الدهر، بل وصل الأمر بينهم إلى حد شعورهم بالخزى والعار عند الهجرة الأولى إلى الحبشة، واستقر الرأى فى دار الندوة على أنه إذا أكرمهم النجاشى فستقول العرب خذلهم قومهم وأنصفهم الغريب رغم أنه على غير دينهم، وإذا آذاهم أو عذبهم لمخالفتهم عقيدته، فستقول العرب إن قريشاً تركت فلذات أكبادها يعذبون ويقتلون ولم تتصد للذود عنهم.
تلك هى أخلاق الجاهلية التى عززها الإسلام وصقلها بل زاد عليها، غير أن الرسالة لم تصل فيما يبدو ميدانى رابعة العدوية، ونهضة مصر، ففى كليهما اعتداء على حقوق الناس ساكنهم وعابرهم، وتعطيل لمصالحهم، وترويع لأمنهم وأمن أطفالهم، فكم من موظف عجز عن الذهاب إلى عمله، وكم من رجل لم يستطع شراء دواء لأحد أطفاله، أو توفير احتياجات منزله، وكم من سيارة تم تفتيشها والاستيلاء على بعض محتوياتها خاصة اللحوم، لإطعام المجاهدين فى سبيل المعزول ومرشده، ناهيك عن تدمير الحدائق والشوارع، وتشويه مداخل العمارات واحتلالها.
ويصل الأمر إلى ما هو أشد قسوة ووحشية مما فعله كفار قريش، من خطف وتعذيب ودفن جثث فى الحدائق، بل زرع ألغام فى حديقة دار الأورمان، إن صح ما ورد فى البلاغ المقدم من الزميل هانى فاروق، الصحفى بجريدة الأهرام، ولذلك فلابد من التدخل بقوة، ومهما كانت النتائج، لأن الدين الذى يتاجر به المعتصمون دون أن يفهموه، يجيز بتر الثلث لإصلاح الثلثين، فما بالنا وأنصار المعزول لا يصلون حتى إلى العشر، وحسنا فعلت الحكومة بتفويض وزارة الداخلية بإنهاء هذا العبث، وهنا يجب على الوزارة مواجهة هؤلاء الدمويين بكل قوة.
هوامش:
لا يمكن مطلقا قبول فكرة الخروج الآمن لمرسى وحده دون مبارك، فعلى الأقل الأخير كان رئيساً.