تساءلتُ فى مقال سابق: ما نتيجة أن تتسع وتمتلئ المسافات بين ملايين المصريين وجماعة الإخوان بالعنف والغضب وكل ما يضاف يوميًّا من ابتكار أشكال للتصادُم والترويع وإهدار مزيد من الدماء والاتجار بها بوهم جلب التعاطف واستدعاء قوى أجنبية لتحتلّ مصر وتعيدهم إلى الحكم؟!
ولا أعرف لماذا تغيب الكاميرات عن تصوير وتوثيق بالصوت والصورة للوقائع التى تحدث فى أثناء التعامل مع الخروج على القانون حتى لا نقع فى متاهات تبادل الاتهامات التى تحدث الآن كأن هناك من يستهين بأى دم مصرى ومهما كان توجهه وانتماؤه. المؤكد أنه يجب وقف الرغبات المحمومة ومخططات إهداره واستغلاله فى المعركة المحمومة التى تستبيح كل شىء لاستعادة السلطة.
جدّد المصريون الجمعة 26 يوليو خروجهم العظيم الذى فعلوه فى 30 يونيو ليس فقط استجابة لدعوة القائد العامّ، ولكن الملايين أرادت أن تعلن رفضها لاستمرار المشهد الكارثى للصراع والتناحُر والتصاعد اليومى لأشكال الترويع والتهديد لجماعة يحجب فشل تجربتهم فى الحكم وقدرتهم على قراءة صحيحة للواقع وتدفعهم إلى مزيد من الانتحار السياسى والأخلاقى والإنسانى بالإصرار على نحر بلدهم إذا عجزوا عن استعادة ما كان بين أيديهم وفشلوا أن يحفظوه ويحافظوا عليه، وكيف يتصورون أنهم بهذا القدر من العنف والكراهية وكل ما يواصلون زرعه يوميًّا فى نفوس الملايين من المصريين ممكن أن يعودوا إلى حكمهم؟!
وإلى أين ستصل الممارسات التى تتحدى القوانين وتتحدى الطبيعة المصرية التى تعشق الأمان والاستقرار وتكره العنف والدم؟ ولماذا تأخر وما زال يتأخر تطبيق القانون بعدالة والسماح لكل من يرى أنه صاحب حق أن يدافع عنه بالقانون؟ وفى أى عرف أو قانون مسموح لكل من يعتقد أنه صاحب حق اغتُصب منه أن يرفع الموت والترويع على المجتمع كله ويقطع الطرق ويسكب الزيوت ويحطم الأرصفة والشوارع ليرفع الحواجز والمواقع ويلجأ إلى مواجهات دموية؟! ولماذا لم نستعِن بتجارب الدول الأخرى التى يتنادون بها لإنقاذهم فى أساليبها للتعامل مع الاعتصامات والتظاهر عند تهديدها الأمن القومى للبلاد؟ أظن أنه رئيس الوزراء البريطانى الذى قال «فلتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم ويبقَ أمن بريطانيا»، ونحن لا نريد أن تذهب حقوق الإنسان أو أى جماعة إلى الجحيم، بشرط احترام حقوق وأمن شعب بأكمله.
إلى أن سيصل بنا هذا الدمار والتدمير والإرهاب المفروض على المصريين إذا لم يواجه ويتم وقفه بالقانون؟ ماذا عن الحرب الدائرة فى سيناء وما يتساقط من شهداء من الضباط والجنود وأبناء سيناء.. هذه الدماء أليست دماءً مصرية؟ وقتلى التعذيب 11 جثة ألقوا بها خارج بؤرة رابعة، ولا أعرف لماذا لا يتمادون ولا يتجاوزون كل الخطوط ما داموا لا يجدون أى تعامل يقف مخططات الترويع والإرهاب! ولِمَ لَم ترفع الدولة سيف القانون لتحمى المواطنين والأمن القومى، سكان رابعة ومدينة نصر ومنطقة النهضة وجامعة القاهرة وبين السرايات ومختلف المناطق التى يعيش سكانها تحت تهديد المخبوء من أسلحة الحرب والمسيرات والاعتصامات؟ هل سقطَت عن السكان هناك الجنسية المصرية وانتهت واجبات الدولة فى حمايتهم.
أحذّر... وأحذّر من تطور بالغ الخطورة قد يُضطرّ إليه المصريون، أن يُضطرُّوا إلى الدفاع عن أنفسهم وعن أمنهم وعن بلدهم، وكما فعلها أبناء مدينة بورسعيد ردًّا على ما حدث من جماعات من الإخوان فجر السبت الماضى عندما وصل جثمان شابّ من بورسعيد استُشهد فى الوقائع الدامية على طريق النصر، ولا يحتاج الأمر إلى إعادة ترديد بديهيات عن حرمة الدم المصرى الواحد وعن الحساب الذى لا بد أن يخضع له من حولوا هذا الشاب إلى وقود لمآربهم وجماعتهم الدولية. بعد الصلاة فى جامع التوحيد على جثمان الشاب البورسعيد خرجت مجموعة من أعضاء الجماعة وأطلقوا الرصاص على المناطق المحيطة بالمسجد وقتلوا ثلاثة من أبناء بورسعيد، فاشتبك معهم مجموعة من الأهالى وسقط شاب رابع، واستكملوا المعركة بتحطيم مجموعة من المتاجر التابعة لأعضاء فى الجماعة.. وفرضوا على بعضهم أن يغادر المدينة ورغبتهم فى إعلان بورسعيد مدينة خالية من الإخوان!
هل على المصريين أن يواجهوا الإرهاب بأيديهم، أم سيجدون قانونًا ودولة؟ ونرجو أن لا يسبق تطبيقَ القانون أن يُضطرّ المصريون إلى أن ينزلوا ليعلنوا بلدهم محرَّرًا من كل من يجترئ على إرهابهم وترويعهم وتهديد استقرارهم واستقلالهم وينادى قوات أجنبية لاحتلال بلدهم.
آخر أخبار التظاهرات السملية، التخطيط لاحتلال قاعة المؤتمرات وتحويلها إلى مقر لحكومة مصر الحرة وممارسة أعمال السلطة البديلة من هناك وتوسيع مساحة وامتدادات المنطقة المحررة فى رابعة وغيرها وتحويل هذه المناطق إلى قلاع عسكرية مدجَّجة بالسلاح وفتح جبهات جديدة للقتال ضد الجيش المصرى على الحدود مع ليبيا والسودان إضافة إلى سيناء.
من المؤكد أن هناك إجراءات جادة وحاسمة وعادلة وقانونية لوقف تمدُّد الجنون والخطر والإصرار على مقايضة مصالح جماعة بإحراق وطن.
حلمت كثيرا أن أرى حقول مصر تمتلئ بالقمح.. ولم أتخيل أن جميع شوارعها ومبانيها والجسور الكبارى مزروعة بالبشر.. المشهد العبقرى الذى صورته الطائرات العسكرية للملايين فى خروجهم التاريخى الكبير، الأعظم فى تاريخ البشرية، سواء فى 30/6 أو 3/7 أو 26/7. من لا يحترمون هذه الإرادة فلا وجود لهم ولا مكان.. ومهما استقووا واستعانوا بقوى خارجية وداخلية أمام شعب استقوى بالله وبطاقات إيمانية ووطنية وحضارية وثقافية وإنسانية فشلت الجماعة أن تفهمها وتحترمها وتنضوى تحت لوائها.