■ بات فى حكم المؤكد أن السلطة قد ضاعت من الإسلاميين، وأن عودة د. مرسى أصبحت فى حكم المستحيل.. فما هى الخيارات المتاحة أمام الحركة الإسلامية الآن لاستعادة الشرعية المفقودة؟
■ الحقيقة أن الخيارات المتاحة قليلة، وتنحصر فى الآتى:
■ أولا: الخيار الجزائرى أو «خيار العنف والدم».
وقد انتهجته جبهة الإنقاذ الجزائرية وحلفاؤها الإسلاميون، بعد أن ألغى الجيش الجزائرى نتائج الانتخابات البرلمانية 1992 التى اكتسحتها الجبهة وعزل الرئيس بن جديد.. وقد خلف هذا الخيار 100 ألف قتيل و180 ألف جريح «تأمل الأرقام جيدا» معظمهم من المدنيين الأبرياء.. وظهرت جماعات تكفيرية تستبيح دماء وأعراض الجزائريين البسطاء فى القرى والجبال وحشر كل الإسلاميين حشرا إلى السجون.. ورغم هذا الثمن الباهظ.. فإن الشرعية لم تعد.. ولا الشرعية طبقت.. ولا الدماء حقنت.. ولا الدعوة بقيت.. ولا الجزائر تقدمت.. ولكن هذا الخيار جاء بكل المفاسد وضيع كل المصالح.. ولم يحفظ الموجود من الشرعية، ولم يأت بالمفقود منها.
■ ثانيا: خيار أربكان أردوجان:
اختير الدكتور مهندس أربكان رئيسا لوزراء تركيا بعد انتخابات نزيهة.. ولم يكن له عهد بالسياسة والحكم من قبل.. ولم يكن من رجالات الدولة.. ولكنه كان أكاديميا من الحركة الإسلامية التركية الوليدة.. ولم يتفاعل مع الأحزاب السياسية التركية الأخرى أو تتفاعل معه.. ولم يبدأ بحل مشكلات رجل الشارع التركى.. أو يتفاعل مع المنظومة الإقليمية والدولية لتركيا.. كان يريد حكم تركيا بمنظومة حزبه الإسلامى.. لم يفقه سنة التدرج كسنة كونية ماضية.. فقد بدأ بفكرة إعادة الخلافة العثمانية وأراد الانفتاح على العالم العربى والإسلامى الذى لم يتجاوب معه.
■ لم يشعر بالمواطن التركى ولم يبدأ بقضاياه.. وعاش فى قضايا غير قضاياه الحياتية.. أراد أن يحكم تركيا بفكر إسلامى لم يتهيأ له المواطن التركى ولا الأحزاب التركية.. انقلب عليه الجيش التركى.. ترك الحكم وكون حزباً آخر لم ينجح أيضا.. سجن خمس سنوات.
■ جاء شاب واعد اسمه أردوجان، رأى أن طريقة أربكان خاطئة، فقام بمراجعة شاملة لأخطاء مرحلته.. لم يعتمد نظرية المؤامرة، وأدرك أن المؤامرة موجودة، ولكنها لا تحرك الكون.. لا تصنع نصرا أو هزيمة لأحد.. أدرك أن أى جماعة أو حزب مهما كانت قوته فى الشارع لا يستطيع ابتلاع الدولة.. أيقن أن الدولة أبقى من الجماعة والحزب.
■ قاد الدولة بعقلية الدولة وفقهها، ولم يقدها بعقلية وفكر الجماعة أو الحزب.. بدأ بالوصول إلى الإنسان التركى البسيط، فحقق كل طموحاته المعيشية البسيطة.. أدرك أن هذا هو الأهم والأبقى والذى سيجعله يتربع على عرش القلوب دائما، سواء كان فى السلطة أو خارجها.
■ لم يحاول أن يأخذ كل شىء، فيفقد كل شىء.. تحالف مع الجميع.. تعاون مع الجميع.. حل كل المشكلات مع الجميع، فكسب الأصدقاء.. وحول الأعداء والخصوم مثل الأكراد إلى أصدقاء.. لم يربط نفسه بخطاب دينى متشدد يطلقه دعاة بعضهم يحمل فكرة التكفير أو يطلق خطاب الاستعلاء والاستعداء.. أطلق خطابا وسطيا متدرجا متسامحاً.. نجح فيما فشل فيه أربكان.
■ ألستم معى فى أن هذا الخيار أفضل وأيسر بكثير من إراقة دماء أبنائنا، من أجل إعادة اللبن المسكوب إلى الكوب مرة أخرى.