حكيت لكم، بالأمس، عن العيادة التى اشتريتها فى الدور السابع، والتى قاسيت الأمرّين فى سبيل إقناع جيرانى الأعزاء بدفع ثلاثين جنيها شهريا لصيانة العمارة والمصعد. فى ظل هذه الظروف كتبت خطابا إلى سكان البناية، وقامت الفتاة التى تعمل معى بتوزيعه بحماسة منقطعة النظير على جميع الجيران. بصراحة استمتعت جدا أثناء كتابته، خصوصا أنا أتخيل ملامح هذه الكائنات الخطرة وهى تقرؤه. ولأنهم لا يعرفوننى فقد كان له وقع الصاعقة على الجميع. كان نص الخطاب كالتالى:
«السادة الزملاء الأفاضل. الجميع لاحظ التدهور الذى لحق بمرافق العمارة فى الآونة الأخيرة مثل تعطل المصعد واحتراق موتور المياه، وقد أرجع السيد الدكتور سعيد رئيس اتحاد العمارة هذا التدهور إلى عزوف البعض عن دفع المستحقات المالية للصرف على العمارة.
السادة الزملاء الأفاضل: إننى أنعى إليكم ذهاب عصر المعجزات.
كنا نتمنى جميعا لو أن المصعد– ذلك الوغد– يعمل بغير انقطاع إلى الأبد دون صيانة أو حاجة إلى مصدر للطاقة. ولكنه– ويا للعجب– لا يعمل إلا بالكهرباء. والأدهى أن شركة الكهرباء (الآثمة) تريد مالا مقابل استهلاك الكهرباء! انظروا إلى الجرأة! انظروا إلى الوقاحة! إنها تأبى أن تعطينا الكهرباء مجانا!.
وموتور المياه– تصوروا!- يحترق بعد عمل دؤوب لمدة عشرة أعوام فقط، وبائعو الموتور يطلبون مالاً مقابل ذلك. انظروا إلى سوء الأخلاق!.
والقمامة؟ لماذا تحتاج إلى عامل ليرفعها؟ لماذا لا تنتقل بالقوة الخفية إلى صندوق القمامة من تلقاء نفسها! وما فائدة القوى الروحانية فى هذا الكون إذا لم نستفد منها!. وبواب العمارة يريد أجراً شهريا، وهذا يشعرنى بالاشمئزاز.دائما يطلبون مالاً. لن يتعلموا أبدا القناعة وسمو النفس. ثم ماذا سيفعلون بالمال؟ إنه مفسدة. أرجوكم دعوكم من هذا الكلام الفارغ عن إطعام أطفاله فالصوم الطويل يدفع للجلد وقوة الاحتمال.
مدخل العمارة بحاجة إلى الإضاءة!! عجيب هذا الكلام! إن نفوسنا المضيئة سيفيض منها نور ساطع سيضىء كل العمارات المجاورة ويمكن أن نربح منهم مالا أيضا.
والآن سادتى الأفاضل سأقترح بعض الأفكار التى سوف تفيدكم حينما يطالبكم الدكتور سعيد بدفع المال.
1- انظر إليه نظرات زائغة، وتظاهر بالانهماك الشديد. أنت رجل شديد الأهمية وذهنك لا يتسع لهذه الأمور التافهة الحقيرة. أنت مشغول بمستقبل الإنسانية فكيف يشغلونك هذا الهراء؟.
2- ارسم على وجهك علامات الأسف العميق على هؤلاء الذين يهتمون بالمال- ذلك المتاع الفانى- لماذا لا يهتمون مثلك بالأمور الروحانية!.
3- لا تفعل شيئا. البعض سيدفع ولا تبالى أنك تنتفع بخدمات من جيب غيرك. لا تخجل من هذا.
4- طالب بتنحى الدكتور سعيد وتعيين سلطان بروناى للإنفاق على العمارة!».
انتهى الخطاب.
أما نهاية قصتى مع العيادة فقد كانت محتمة وهى إغلاقها وبيعها. لم تمض عدة شهور إلا وأغلقها من اشتراها وسافر خارج البلاد. هكذا ترون أنها (وش السعد) كما يقولون. لذلك لم يكن عجيبا أن أتجنب المرور بجوارها لأن ذكرياتها السوداء تطاردنى، ولكنها علمتنى درسا مهما جدا فى هذه الحياة:
«الناس على أتم استعداد لإلحاق الضرر بأنفسهم طالما يضرونك معهم!».