يعد الدستور جوهر خطة المستقبل، والهدف الأول للمرحلة الانتقالية، ولاعتبارات كثيرة منها تقليص هذه الفترة إلى حدها الأدنى، لاسيما فى ظل الضغوط الدولية واتهام المؤسسة العسكرية «بالانقلاب» على «الرئيس المدنى المنتخب»، اعتمدت خطة المستقبل خيار تعديل الدستور، وهو ما يفترض أن يجرى – وفقا لما جاء بالإعلان الدستورى- على مرحلتين: الأولى تقوم بها لجنة خبراء، من القضاة وأساتذة القانون الدستورى، يعهد إليها بدراسة الدستور المعطل وتقديم مقترحات بالتعديلات فى مدة لا تجاوز الثلاثين يوما، وهو ما بدأ بالفعل، والأخرى تضع خلالها لجنة موسعة تضم خمسين عضوا «يمثلون جميع فئات المجتمع وطوائفه وتنويعاته السكانية والسياسية أيضا المشروع النهائى للتعديلات الدستورية وذلك خلال ستين يوما، تطرح بعدها هذه التعديلات للاستفتاء العام، ويعود الدستور «المعطل» إلى الحياة.
رغم البساطة والوضوح اللذين يبدو بهما هذا التصور، وما يعد به أيضا من حل عاجل لمعضلة الدستور، فإن أسبابا عدة تجعله غير قابل للتطبيق، بعضها متعلق بالدستور المعطل وعيوبه الهيكلية، والبعض الآخر بآلية تعديل الدستور، لاسيما تشكيل اللجنة التى يفترض أن تمثل بها جميع فئات المجتمع وتوجهاته السياسية.
فيما يخص «الدستور المعطل» فإن قراءة متأنية لنصوصه تكشف عن حقيقة مؤلمة ألا وهى عدم قابلية هذا «الدستور» للتعديل، فهو لا يعانى وحسب من قصور وتناقضات ونصوص معيبة يمكن إصلاحها عبر الحذف والإضافة أو ضبط الصياغة، وإنما أيضا من عيوب هيكلية تطال بنيته، وذلك فضلا عن عدم استناده إلى توافق مجتمعى، الأمر الذى يرجع إلى الطريقة الهزلية التى وضع ومرر بها.
فإضافة إلى المواد الشهيرة كالخاصة بالعزل السياسى، وبعض الألفاظ المقحمة «كالشورى» التى عدها أساسا للحكم بجانب الديمقراطية، مادة (6)، و«الوقف» الذى اعتبر نوعا من أنواع الملكية، مادة (21)، يرث هذا «الدستور» عن سابقه – دستور 1971- الخلل البين فى العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعدم وجود آلية لمساءلة رئيس الجمهورية الذى تتركز بيده السلطة التنفيذية.
أما المعوقات الناتجة عن آلية تعديل الدستور، فيأتى فى مقدمتها عدم النص بالإعلان الدستورى على الكيفية التى سيختار بها أعضاء لجنة الخمسين. فهل سيختارهم رئيس الجمهورية منفردا، أم سيكون ذلك بالاتفاق مع الأحزاب؟ وما الضمانة حينئذ ألا نعود مجددا إلى «مشهد المحاصصة» الذى صاحب وضع الدستور المعطل، والذى سيكون حتما أشد ضراوة؟