ما زلت متمسكة بقرار أن لا أعلن موقفى من التفويض، لا لأننى لم أحدد موقفى، بل على العكس تماما، فقد كنت متوقعة تلك اللحظة منذ يوم 23/6، واتخذت قرارى فى حينها، ولكننى، وقبل يوم 26/7، قررت أن لا أعلن عن قرارى حتى لا أتحمل سوى نفسى. كما أننى أعرف أن الخيارين يستتبعهما دماء كثيرة، فلا أريد أن يأتى أحدا ويقول: نوارة فوضت وقتلت الإخوان، أو نوارة ما فوضتش وقتلت اللى قتلهم الإخوان. وأعلم تمام العلم، أن فى كل من الحالتين سيذهب أبرياء كُثُر ضحية أحد الخيارين. أما الآن، وبعد أن فوضت الملايين، فإننى ما زلت أحجم عن إعلان موقفى، ببساطة، لأننى لست ذات تأثير، وكما يبدو، فإن الناس جميعها كانوا يعلمون بقدوم هذه اللحظة منذ فترة، وقد اتخذوا قرارهم فى وقت مبكر، فلم يبد على أحد ممن فوضوا، الحيرة أو التردد.
تفويض بالقتل. هكذا تردد جماعة الإخوان المسلمين، وهكذا لأول مرة أتفق معهم، نعم، هو تفويض على القتل أيتها الجماعة الغبية المستعلية الخرقاء، وبدلا من أن تمارسوا أمراضكم النفسية، إما بالإنكار والادعاء أن «ما حدش نزل» كما قال أحد قيادات الجماعة على «سكاى نيوز»، مما أجبر المذيعة على الانفجار بالضحك، أو بالاستعلاء ورسم صورة خيالية بأن الجماعة هى موسى، والسيسى هو الفرعون، والملايين التى نزلت، والتى فاقت أعدادها كل المرات السابقة، بما فى ذلك الأعداد التى نزلت يوم 30 يونيو، هم قوم فرعون الذين استخفهم فأطاعوه. (هَمّ يضحك وهَمّ يبكى) فلا أنتم موسى، ولا السيسى فرعون، ولا الملايين التى نزلت من عبدة آمون رع. وبدلا من اتخاذ قرار أخرق ببطح أنفسكم على الناس التى لم تبد تعاطفا، لماذا لا يسأل أحدكم نفسه: كل الناس دى بتكرهنى وعايزانى أموت؟
حقيقة أننى لست شوفونية وأعلم تماما عيوب ومثالب الشعب المصرى، لكن حقيقة أخرى أن الشعب المصرى طيب فعلا، ولا يحب الدماء، ولا يطيق القتل، ويتعاطف مع الكافر والكلب اللى ماشى فى الشارع، فلماذا لا تسأل نفسك: لماذا تخلت كل هذه الملايين عن طيبتها المعهودة وقررت أن تجيب السيسى دون تردد: أيوه اقتلهم؟ منذ متى كان المصريون يحسنون الكراهية ويجيدون القسوة بهذا الشكل؟ من الذى ملأهم بكل هذا الغل؟ آه آه.. الإعلام الفاسد وكده، صح؟
تصدقوا؟ إنتو مافيش فيكو فايدة أبدا.
عادة أحب أن أضع نفسى مكان الآخرين حتى ألتمس لهم الأعذار، أحيانا يسعفنى ربى فأجد العذر، وأحيانا تغلبنى نفسى فلا أستطيع التماس العذر، حيث إننى مؤمنة بأن كل إنسان خلقه الله بعذره، وإذا فشلت فى إيجاد العذر فهذا ذنبى وليس خللا فى خلق الله. فمثلا، وضعت نفسى مكان من فوض، فوجدت أن تفويضه نابع من موقف إنسانى بحت: يعنى أقعد فى البيت وأشيل دم اللى بيقتلهم الإخوان؟ ووضعت نفسى مكان القلة التى رفضت التفويض، فوجدت موقفهم إنسانيا أيضا: ما يروح يقتلهم لوحده هو لازم يدبسنا؟ وأعمل إيه لو قتل ناس أبرياء؟ أشيلهم؟ ووضعت نفسى مكان السيسى: يعنى لو سيبتكوا حتقولوا لى يا مجرم سايبنا للإخوان يقتلونا، ولو اتعاملت معاهم حتقولوا لى يا مجرم بتقتل المعارضين؟ وربنا ما متحرك قبل ما تنزلوا وتقولوا لى إنتو عايزين إيه بالظبط، ما أشيلش لوحدى.
وحين وضعت نفسى محل الإخوان لم أفهم موقفهم ألبتة. لو كنت مكان الإخوان ورأيت كل هذا العدد قد نزل يطالب بقتلى بوضوح وصراحة، فلا بأس من أن أقنع نفسى بأننى موسى وهم قوم فرعون، ولكن لم أكن لأقدم على الانتحار وأقدم أعضاء جماعتى قربانا لهدف هلامى لا أعرفه أنا شخصيا. لو كنت عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين لذهبت إلى بيتى، ولأمرت كل من أعرف بالعودة إلى البيت، ولاتهمت كل قيادة تأمر الناس بالنزول والاعتصام ضد إرادة الشعب، وإن كان الشعب خاطئا ونحن أصحاب الحق، بالقتل العمد. أنى لى أن أدخل معركة غير متكافئة؟ يبدو أن الجماعة فكرت فى التعجيل بمذبحة كى تؤنب الجماهير على تفويضها، لكن الواضح أن الجماهير لم تشعر بأنيب الضمير، وإنما قالت: أحسن، وهذه المرة الأولى التى أرى فيها رد فعل الشارع المصرى بهذا الحسم، خصوصا أن الجماعة تسير بمبدأ: القرف فى إيد والصابونة فى إيد. فالجماعة ارتكبت مجزرة فى الإسكندرية قبيل مجزرة المنصة. أنا مش قلت لكوا لايموها؟ حتموتوا كلكوا على فكرة.. أنا عمرى ما شوفت المصريين مغلولين من حد كده.