«١»
اتهمت المستشارة تهانى الجبالى د.محمد البرادعى بأنه متخاذل فى طرح فكرة الدولة الديمقراطية شرطا للمسار الجديد. هل هذا صحيح؟
«٢»
حين نتحدث عن ثورة الخامس والعشرين من يناير نحن نتحدث عن طرفين رئيسيين، البرادعى ومعه القوى المدنية العالمانية الشبابية التى شاركت فى هذا اليوم، فى جانب، ثم القوى الملحقة بالإسلاميين فى جانب.
متى انفصل هذان الطرفان؟
انفصلا يوم الرابع من فبراير ٢٠١١. حين رفض البرادعى والقوى التى يمثلها (وهى القوى الشبابية غير المنظمة، أى القوى الشبابية باستثناء الاشتراكيين الثوريين و٦ أبريل) المشاركة فى اجتماع مع الدولة القديمة ممثلة فى عمر سليمان. كانت هذه خطوة لا سياسية بالمرة من قبل البرادعى. ليس بسبب عدم المشاركة، إنما بسبب عدم التحسب لردود الفعل. كيف؟
البرادعى رفض المشاركة فى الاجتماع، لأنه يريد القطيعة مع الدولة القديمة، وبدء مسار ثورى تماما. فترة انتقالية تحت قيادة القوات المسلحة. دستور جديد. ثم انتخابات. أين الخطأ فى ذلك؟ لا خطأ فى النية على الإطلاق. الخطأ كان فى المهارة السياسية. لم يتحسب البرادعى أنه لن يستطيع أن ينفذ ذلك دون حليف. والحليف واحد من اثنين لا ثالث لهما فى تلك المرحلة. إما الإخوان (وهذا المسار لا يناسبهم). وإما الدولة القديمة (والبرادعى زى ما احنا عارفين إنف مايحطش إيده إلا فى إيد الإخوان). وليس هذا خطأ قليلا. لكن عزاءه أنه يريد أن يناضل ثوريا. أوبااااااااا. هنا مكمن الخطأ الثانى.
كثير من الثوريين يدعون أنهم لم يحضروا اجتماع ٤ فبراير. هذه خدعة. فسواء حضروا أم لم يحضروا، لقد كانوا دائما منفذين للاتفاق غير المعلن (هتلاقيهم قالوا نعم فى استفتاء ١٩ مارس). بعضهم لأنهم مستأجرون للإخوان بالمعنى المباشر للكلمة، وبعضهم على خلفية العداوة المطلقة الساحقة الماحقة للدولة، لفكرة الدولة متخيلة فى صورة دولة مبارك. هؤلاء جرفوا ثوريى البرادعى فى اتجاه مصلحة الإخوان، مرة بعد مرة. وفى المفارق المهمة المهمة، «عصروا ليمون». ولا عصروا ليمون ولا حاجة. الوجوه البارزة فيهم كانوا بينفذوا المطلوب منهم. زى ما رجعوا ينفذوه دلوقتى تانى. لم يكن لدى البرادعى قوى ثورية منظمة بالمعنى السياسى المجدى للكلمة.
الطرف الثالث الذى كان حاضرا يوم ٤ فبراير هو الرعاية الأمريكية للاتفاق. عن طريق سياسيين ديمقراطيين وطنيين، على عيننا وراسنا، يؤمنون بأن هذا هو المسار الأفضل.
معنى هذا أن البرادعى صار عدوا لكل الأطراف. البرادعى لديه ٢٢٪، والأطراف الأخرى ٧٧ ٪. كما كانت نتيجة استفتاء ١٩ مارس. هذا فشل سياسى. لأن الفكرة الجيدة بلا قيمة إن لم يكن لها وسيلة تنفيذ. كان رأى البرادعى، والمسار الذى اختاره، صائبا. لكنه كان بلا حليف. وكثير ممن شجعوه على هذا المسار كانوا صادقى النية. لكن عددا لا بأس به أيضا كانوا يفعلون ذلك مكرا، وإنجاحا لخطط الإخوان السياسية. (كما أوضحت أعلاه).
البرادعى أصر قبل تنحى مبارك على ضم الإخوان إلى المسار السياسى. أصر على ذلك دون ضمانات منهم. وأصر على ذلك لأنه كان محتاجا إلى التحالف معهم كقوة شعبية. وبالتالى فرط فى قوى عالمانية ترى أن هذا خطأ قاتل. فى السنتين ونصف الماضيين رأى البرادعى بأم عينيه سوءات هذا المسار وعوراته. ورأى الفريق العالمانى من أنصار الدولة القديمة، والمؤسسة العسكرية، سوءات هذا المسار وعوراته. ونشأ تحالف جديد هو ٣٠ يونيو. وكان يجب تعديل المسار بحيث: يعطل الدستور، يكتب دستور جديد، ثم تجرى انتخابات. أى إنهاء اتفاق ٤ فبراير ٢٠١١ الذى انقلب عليه الإخوان، وتنفيذ المسار الذى كان البرادعى يقترحه من قبل. باستثناء واحد. ضرورة إقصاء الأحزاب الميليشياوية التى تميز بين المواطنين على أساس الدين.
من الذى يقف فى وجه هذا المسار؟
يقف فى وجهه حلفاء الإخوان فى اتفاق ٤ فبراير (سيبك من الدعاوى الإنسانية، وعصر الليمون، الموضوع سياسة بحت، وأنت منفذة لسياسة، سواء بعلم أو بإنسانية أو بجهل أو بمنطق العداوة للسلطة الذى يستغله الإخوان)، ويقف فى وجهه سياسيو الرعاية الأمريكية له.
لكن المفاجأة هو موقف البرادعى. لأنه، مرة أخرى، لا يوافق على إقصاء الأحزاب الدينية من العملية الديمقراطية، إلا بعد التزامهم بدستور ديمقراطى. لا يستطيع البرادعى أن يفهم أن أحزابا على أساس دينى وديمقراطية دونت ميكس. ارجع لقواعدك يا برادعى واسألها. ستفقدنا إلى الأبد. لن نكرر خطأ ما بعد ٢٥ يناير مرة أخرى. ولن نخضع لابتزاز.